بينما تنطلق عجلة التنمية بنجاح مدهش في المملكة العربية السعودية، وفي عدد قليل جداً من الدول العربية الأخرى (لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة)، نجد كثيراً من الدول العربية تواجه مصاعب في المحافظة، لا على الرخاء فحسب، بل على الدولة نفسها، مما يُحتِّم مراجعة جادة للوضع العربي العام، والإعداد لحماية الإنجازات التي تمت وستتم، والبحث عن سبل لمساعدة الدول التي سقطت ضحية للتخريب.
مضت عشرات السنين على انهيار الدولة العراقية بفعل فاعل (أمريكا)، وعجزت إيران، التي تركت أمريكا البلد لها، وأنصارها، عن إعادة إنشاء دولة العراق، لأنهم اعتمدوا على أن يكون الملالي من أئمة المذهب الشيعي هم الصدارة والقيادة، وأن يكون المذهب الحاكم لا الوطن، ولم يتردد المخطط الأمريكي من غض النظر عن كل التجاوزات (الشيعية) ممثلة في إيران، أو عملائها، اعتقاداً منه أن إثارة السنة ضد الشيعة هي التي ستؤدي إلى انهيار كامل للدولة، ثم بعد الانهيار صعود (الدولة الديمقراطية) حسب مفهومه، لتولي الأمور بتوجيه من الأصدقاء الديمقراطيين في أمريكا وأوروبا، ولازال يسعى بنفس الاتجاه في مفاوضاته حول النووي الإيراني.
وفي لبنان يقف اللبنانيون عاجزون عن الحسم في موضوع الرئيس الذي سوف يخلف ميشال عون، لأن حزب الله (الشيعي) لم يُحدِّد ولم يُؤشِّر إلى من هو المختار من قبله. وبعد أن اقترحت سفيرة أمريكا في بيروت أن يمد خط أنابيب غاز من مصر إلى لبنان، مروراً بالأردن وسوريا وإسرائيل، غيّر الأمريكيون بوصلتهم في لبنان إلى حزب الله، عندما بدأت إسرائيل تستعد للتنقيب عن البترول في البحر أمام لبنان، وأرسلوا آموس هولشتاين مساعد وزير خارجيتهم لشؤون الطاقة، ليقوم بزيارات مكوكية ما بين تل أبيب وبيروت حول استخراج الغاز اللبناني من البحر، وترسيم الحدود الإسرائيلية اللبنانية بمباركة حزب الله، ومنح الحزب الفضل في هذا المسعى، إن تم.
ونشاهد السودان يتقدم خطوة نحو إعادة قيام الدولة ثم يتراجع خطوات، وينطلق السياسيون المتأثرون بما سُمِّي بالربيع العربي، يطالبون بخروج القوات المسلحة من أي اتفاق سياسي، ويسعون إلى تمزيقه. أما ليبيا فإنها لا تعاني من انقساماتها الداخلية فحسب، بل من تدخلات أجنبية متنوعة تزيد الوضع سوءاً، وتجعل الانقسامات أكثر حدة، ولا يبدو حل لها في المستقبل المنظور.. وعلى الجانب الآخر منها تقف تونس محتارة إلى أين تتجه، بينما تتربص مجموعة حركة الإخوان المسلمين بالبلد، يرغبون في العودة إلى كراسي الحكم لإكمال مهمتهم، وتتبنى كل من بريطانيا وأمريكا رجال الحركة بدعم مالي، حيث يؤمن المفكر الغربي الليبرالي أن هذه الحركة لا تقبل بقيام دولة، وترغب في تحطيم الدولة مثلما يرغب هو، وبالتالي يستغلها للوصول إلى هدفه، كما يستغل الملالي الإيرانيين. وهناك دول عربية تُفضِّل الدخول في حرب مع جيرانها على قضايا خلَّفها لها الاستعمار عن أن تسعى للاستقرار. وتقف اليمن وسوريا والصومال وغيرها في قائمة سقوط الدولة، وانتشار الفوضى، تمهيداً للدخول في مجاعة وعدم استقرار لسنين طويلة قادمة.
أمام هذه المخاطر التي تُهدِّد البلدان العربية، أصبحت قضية البحث عن حلفاء، والتحالف معهم. أكثر من ضرورية، بداية من حماية المنجزات الداخلية وتأمين الحدود، إلى البحث عن مسارات آمنة للمستقبل بما فيها تحقيق أمن ورفاه جيراننا وإخواننا. ولاشك أن مجلس التعاون الخليجي تجربة رائعة في ظروف منطقتنا المتقلبة، إلا أن الحاجة الآن إلى رباط أقوى مما يوفره المجلس بوضعه الحالي، ومن الصعب عدم رؤية استسلام هذا الطرف أو ذاك للمغريات أو التهديدات الأجنبية، مما جعله لا يمانع في أن يكون أداة إعلامية أو مالية أو غيرها لهدم الدولة العربية. لذا أصبحت هناك ضرورة لأن يُقام تحالف جديد، مع استمرار التحالفات القائمة فيما بين الدول العربية، لضمان استمرار الاستقرار والرخاء للشعوب العربية، ومواجهة التحديات بمختلف أشكالها. ولا نرى حتى الآن سوى ثلاث أو أربع عواصم عربية يمكن لقادتها الاتفاق مع بعضهم البعض، ويتمتعون بقدرات قيادية وحكمة إدارية قد تؤدي إلى قيام تحالف، أكان بشكل فيدرالي أو كونفدرالي لتأمين مستقبل المواطن العربي.. فهل هناك مَن سيتقدَّم الصفوف لإنقاذ الإنسان العربي؟!.