من أجمل ما قرأت، كتاب صدر عام 2021م، لمُؤلِّفه الأكاديمي الكندي، وعالم علم الاجتماع البروفيسور «دانييل بيل»، بعنوان: (النموذج الصيني). يقول فيه المؤلف: «الصينيون كانوا لعقودٍ طويلة يعتقدون أنهم ليسوا في حاجة لتبنِّي أي ثقافة دخيلة عليهم مصدرها خارج الصين، بحجة أن كل أسباب الحضارة والتقدم والازدهار متوفرة في ثقافتهم الصينية»، أدَّى ذلك الاعتقاد إلى تخلُّفهم عن بقية الأمم المتقدمة، إلى أن ظهر لهم -والكلام للمُؤلِّف- في نهاية القرن العشرين الميلادي أن عليهم تغيير ذلك الاعتقاد، عندها بدأوا باحتضان كل ما هو جديد ومفيد، ويتماشى مع قيمهم ومبادئهم، ويسقطون ما كان يُواجههم من سلبيات في ثقافتهم السابقة، لأنهم اكتشفوا أن الثقافة الصينية التقليدية ليست قادرة على تأمين كل سبل دخول الصين إلى العصر الحديث، وبسبب ذلك أصبحت الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاديات العالم.. سبقهم في ذلك اليابان بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً، الذين توافد طلابهم لدراسة الحضارة والثقافة الغربية، كان من نتيجته صعود اليابان في تلك الفترة كقوة اقتصادية بين دول العالم.
بالرجوع إلى الكتاب، ذكر المؤلف، أن مستوى البحث العلمي الصيني، وعدد الأبحاث الابتكارية في مجالات العلوم المختلفة؛ المنشورة في أوعية النشر العالمية الموثوقة قبل ربع قرن من الزمان تقريباً، كان في أدنى مستوياته مقارنةً بالدول المتقدمة -فترة الاعتقاد الصيني-، أما حالياً فقد كشف تقرير للمؤسسة الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة صدر عام 2018م، عن نشر أكثر من مليونين وخمسمائة بحث علمي حول العالم؛ كان النصيب الأكبر منها للصين ومن بعدها تأتي أمريكا.
وبحسب التقرير، فقد بلغ عدد الأبحاث العلمية والهندسية الصينية المنشورة في أوعية نشر علمية موثوقة حول العالم في 2018م، حوالى 528 ألف بحث، مقارنةً بحوالى 423 ألف بحث لأمريكا في العام نفسه.. وبذلك أزاحت الصين أمريكا عن المرتبة الأولى؛ باعتبارها أكبر ناشر للأبحاث العلمية عالمياً على مدار عقد من الزمان.
لم ينتهِ التاريخ بعد، فبرنامج «الألف موهبة» في الصين حالياً، يُمثِّل نموذجاً لمحاولة الإحلال الصيني محل أمريكا في مجال البحث العلمي، لأن الصين تُدرك أن «البحث العلمي» هو الذي قاد أمريكا إلى الصدارة العالمية، وأن مَن يملك العلم سيملك العالم.