لم يعد سراً، امتعاض غالبية الناس من هواية الترهيب التي تمارس تجاههم، سواء من المستشارين القانونيين وهم يعلنون العقوبة النظامية بحق المخالفين، أو أخصائيي الحياة الأسرية وهم يضخمون حالة النفور والصراع بين الزوجين، أو شلة الفلكيين المهتمين بأحوال الطقس والمناخ وهم يتوعدون بالبرد أو الهجير عموم السائحين!!
صحيح أنني لا أبرئ نفسي حين أظهر بين الفينة والأخرى بدعوة من وسائل الإعلام لأمارس مثل هذه الهواية، إلا أنني أود أن أعلنها بصريح العبارة، أن هذه التهويلات باتت أشبه بـ(المقالب السمجة) حين طال الترهيب مؤخراً إعلان العقوبة على أولئك الوطنيين الذين يدفعهم ولاؤهم للمبالغة بالاحتفاء بالمناسبة الوطنية!
نحن لسنا في ساحة معركة، أو مظاهرة شعبية مناهضة، أو موجة إضراب عامة، لنسمع التحذير والوعيد تجاه المشاركين، نحن أمام الاحتفاء بـ(اليوم الوطني) والذي يحتاج لتشجيع وتحفيز المواطنين، كإطلاق حملة مكافآت قيمة تشمل أوسمة فخرية وجوائز مادية لأجمل احتفالية.
هناك في مدرجات كرة القدم (خاصة مباريات الديربي) التي يكون الهلال أو الاتحاد طرفاً فيها، يجتمع عشرات الآلاف من المشجعين المتعصبين بنفس المدينة، ورغم قوة المنافسة، ورغم الشحن والتأليب الذي يمارسه بعض الإعلاميين المتشنجين، تخرج كل المواجهات دون أحداث شغب أو احتفالات مخالفة -عدا رمي قوارير المياه أحياناً- وهذا يعود لانحصار مقر الاحتفالية، وقوة الجاهزية التنظيمية، والمكافآت التشجيعية التي توزع على الجمهور وترصدها القنوات الفضائية.
هناك في البوليفارد (خاصة الحفلات التنكرية) يجتمع الآلاف من كافة أطياف المجتمع وهم يرتدون أقنعة مرعبة، تحاكي شخصيات سينمائية شريرة مثل؛ الزومبي، فريدي كروغر، وهينبال ليكتر، ورغم حالة الفزع التي تنتاب المرتادين، إلا أن التظاهرة دائماً ما تخرج بسلام دون أحداث شغب أو احتفالات مخالفة -عدا التحرشات الصبيانية لبعض المراهقين- وهذا يعود لانحصار مقر الاحتفالية، وقوة الجاهزية التنظيمية، والمكافات التشجيعية التي توزع على أفضل المتنكرين وترصدها شاشة العرض والجهات الراعية.
هناك في الأسواق التجارية (خاصة بالخصومات الموسمية)، هناك في المدن السياحية (خاصة بالمهرجانات الغنائية)، هناك في الأحياء الشرقية (خاصة بالأعراس الكبيرة) تجتمع أعداد مهولة من الزبائن والمصطافين والمدعويين، ومع ذلك نادراً ما نسمع أحداث شغب أو احتفالات مخالفة، وهذا يعود لانحصارها وجاهزيتها ومكافأتها التشجيعية.
نعم قد يقول قائل بأن الاحتفاء بـ(اليوم الوطني) واجب على كل من يعيش على أرض الوطن، ويرفل بنعيم أمنه وأمانه، وهذا الكلام صحيح (لا غبار عليه)، لكن هذا لا يمنع بالمقابل أن نحصر مقر الاحتفالات بعيداً عن الشوارع والشواطىء والميادين ليسهل تنظيمها والسيطرة عليها.
هذا لا يمنع من ممارسة هواية الترغيب، من خلال تخصيص جوائز تشجيعية لأجمل احتفالية وطنية، تعزز من جهة مفهوم الولاء والانتماء، ومن جهة تحمل عن ظهر المواطن همومه والتزاماته، ليحتفل ضمن عشرات الفائزين بجوائز نقدية تصل نصف مليون أو عينية عبارة عن فيلا سكنية، حين يبشر مذيع القناة الحكومية بقية المشاهدين بأن هناك آلاف الجوائز تنتظرهم، فقط تابع المسابقة، و(أرسل وطن أو هوم لاند)!!