Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي أبو القرون الزهراني

ليل بغداد..!!

A A
.. زرت بغداد أيام الحرب العراقية الإيرانية، كنت في الكويت وكانت الأجواء مع العراق مغلقة، فقط المجال الجوي الوحيد مع الأردن وعلى نطاق ضيق جدًا..

نصحني الأصدقاء بالسفر برًا خصوصا أن المسافة ما بين الكويت والحدود العراقية قصيرة جدًا.. أو لعله الخيار الوحيد أمامي...!!

*****

.. في البصرة كان أكثر ما تشاهده منظر العسكر، وحتى الحافلة التي استقليناها إلى بغداد، كل ركابها عسكريين كانوا على الجبهة..

فقط أنا واثنان من وكالة أنباء عالمية كنا في داخل هذه الجوقة..!!

*****

.. وصلنا بغداد بعد منتصف الليل، كانت الأنوار مطفأة بفعل ظروف الحرب، منظر مهيب مخيف عندما يسود الظلام مدينة وتصبح كمدينة أشباح..!!

*****

.. يبدو أن سائق الحافلة أنزلنا في وسط حي شعبي.. حي مكتظ بما يشبه الغرابيب السود، وما أكاد أخرج من تفتيش عسكري، حتى أجد آخر في انتظاري.

ضابط جزاه الله خيرًا رأى تعبي من كثرة التفاتيش والبرد، فأخذني بسيارته الجيب إلى بنسيون قريب، وصعد بي إلى الطابق الأول، حيث امرأة مسنة والمدفأة، وعدد من الأجساد المتناثرة تغط في سبات عميق من التعب..!!

*****

.. «ياحاجية» خلي الحاجي عندك إلى الصباح، ثم انصرف بعد أن ودعني وشكرته..

أقعدتني إلى جوار المدفأة، سألتني من أنا؟ ومن أين أتيت؟

ثم راحت تتمتم وهي تناولني لحافًا: «ليل بغداد المظلم ليس للاستجمام»، وتحدثت عن تداعيات الحرب بلغة وبثقافة مذهلة.

مما قالت «لا نخشى أصحاب العمائم، مهما كان وهم الأيدلوجيا، ما نخشاه هو خطط ومؤامرات الغرف المظلمة».

وكأنها أرادت توثيق ما تقول فتسآلت: أين كان الخميني؟ ومن جاء به إلى طهران؟ وتسآلت أنا في نفسي: هل هذه من بقايا بيت حكمة الرشيد..؟!!

*****

.. صباح بغداد كان يتنفس حركة وضجيجًا.. (هنا) وجه المدينة بكل شوارعها ومتاجرها وأهلها ونخيلها وضفاف دجلة والفرات.

قال لي صاحب مكتبة وقد كان أستاذًا جامعيًا: «لو وصلوا إلينا لأحرقوا بغداد.. نسيجنا الاجتماعي سهل الاختراق وسهل الاحتراق»..!!

*****

.. أتذكر هذا وأنا أشاهد اليوم ماذا يحدث في الساحة الخضراء وساحة التحرير؟

وليل بغداد الملتهب، ونتألم لكل ما يجري للعراق، وما تفعله الولاءات بالدم العراقي.. ويظل السؤال من خلف كل ذلك..؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store