تهامة لها تاريخها ولها تراثها وهويتها، وهي في بعض الأقوال الجزء المحصور بين البحر الأحمر غربًا وجبال السروات شرقًا، ومن خليج العقبة شمالاً حتى عدن في أقصى جنوب الجزيرة العربية، وهناك مَن يحصرها من مكة وجدة شمالاً، حتى عدن جنوبًا. تمتاز تهامة بالانبساط، وخاصة في شقها الغربي المحاذي للبحر الأحمر، أما شقها الشرقي الموازي لجبال السروات؛ فتكثر فيه الجبال بأحجامها القليلة الارتفاع والمتوسطة الارتفاع والعالية؛ التي تتاخم في علوها جبال السروات، كما تمتاز بأوديتها المعترضة التي تخترقها من الشرق إلى الغرب مرورًا بالشق الغربي (السهل الساحلي)، حيث يبدأ معظمها من سفوح جبال السروات شرقًا، وتنحدر غربًا -مخترقة تهامة بشقيها- حتى تصب في البحر الأحمر، وعلى بعض هذه الأودية أُقيمت السدود العملاقة، وعلى ضفاف هذه الأودية وفروعها قامت الحياة ممثلة في القرى التي تحوَّل بعضها إلى بلدات واسعة، وبعضها أصبحت مدنًا تتمتع بالكثير من مقومات الحياة العصرية، كما قامت على ضفاف هذه الأودية المزارع والحقول، نظرًا لجريان مياهها الدائم على شكل جداول أو غدران، ويسميها أهالي تهامة (غُيُول) ومفردها (غَيْل)، وكانت هذه الأودية مكانًا مناسبًا لتربية المواشي بأنواعها والنحل، ولاتزال كذلك حتى اليوم. ولأنَّ لكل منطقة، جغرافية أو إقليم أو جهة، مواسمها التي تميزها عن غيرها، فإن لتهامة موسمها الذي لا يغيب عن البال، وهو موسم اعتدال الجو وكثرة الأمطار واخضرار الأرض وجريان الأودية، وهذا الموسم يبدأ في العادة من منتصف فصل الخريف - وأحيانًا أواخره - حيث يكثر هطول الأمطار الرعدية وتخضرُّ الأشجار وتظهر بعض النباتات، مرورًا بفصل الشتاء الذي تتساقط فيه الأمطار (دون برق ورعد)، ويميل الجو فيه إلى البرودة، وتكتسي فيه الجبال عصائب وعمائم، بيضًا وسودًا، يشكلها السحاب الكثيف، وتلبس الأرض بساطًا أخضر، وتتفتح بعض الزهور، ويكثر جريان الماء على وجه الأرض في الأودية والشعاب، وانتهاءً ببدايات فصل الربيع الذي يشهد اعتدالاً في الجو، وتحولاً تدريجيًّا - وأحيانًا سريعًا - لفصل الصيف. لذلك حينما عنونت للمقال باسم (ربيعك)؛ فليس المقصود به فصل الربيع؛ لأن الربيع في تهامة - كما ذكرت آنفًا - يشهد معظمه تحولاً إلى فصل الصيف، لكن ولأن الربيع فصل يحبه الناس؛ كونه يشهد اعتدال الجو وتفتح الأزهار، واخضرار الأرض والأشجار، لذا فضَّلتُ أن أُطلق على فترة أوائل أو منتصف الخريف حتى بدايات الربيع (ربيعًا)، يبسط رداءه على تهامة.
وفي هذه السنة أرى ربيع تهامة قد تعجَّل في القدوم؛ فتهامة في هذه الفترة تشهد غزارة في الأمطار، وخضرة تلفت الأنظار، وجريانًا للسيول يماثل الأنهار، حتى غدت تهامة - خاصة كلما اتجهنا جنوبًا - بساطًا أخضر ومروجًا تسر الناظرين.
تهامة لا تنقصها المقومات الطبيعية؛ وإنما الذي ينقصها هو زيادة الاهتمام بها خدميًّا، وتوفير احتياجاتها ومتطلباتها الأساسية، واستغلال مقوماتها الطبيعية في دعم السياحة المحلية، وتسليط الأضواء الإعلامية عليها، وهنا أعتب على وسائل إعلامنا المتنوعة؛ التي لم تُكثف حضورها في تهامة، وتبرز تاريخها ومعالمها ومقوماتها بالشكل الكافي.
وتظل تهامة مصدر الإلهام كما هي موطن التاريخ والبارزين من العلماء والمفكرين والقادة والشعراء والرياضيين، وموطن العسل الطبيعي والمحاصيل الزراعية الجيدة، وموطن الأكلات المميزة والأسواق الشعبية، والفنون الجميلة والحرف اليدوية، وكل ذلك بين جنبات طبيعتها الفاتنة التي تجمع السهل والجبل والوادي والبحر.
ربيعُكِ يا تهامةُ قد أطلَّاأتاكِ ضاحكًا.. وبكِ استهلَّاوهذا الغيثُ - منهمرًا - تبدَّى
على خُضْرِ الروابي فاستحلَّاومادَ الزهرُ والأطيارُ غنتْوسالتْ أنهُرٌ.. وكُسِيْتِ فُلَّا
وكم تحلُو القوافي ما تمطَّتْسحائبُ.. فاستحالَ الأُفْقُ ظِلَّا!
#محسن