(الشرق شرق والغرب غرب).. لكن! الشرق من أهل اليمين، وجذوره عميقة ممتدَّة من الصين في أقصى القارَّة الآسيويَّة إلى عالمنا العربي حيث ملتقى قارات العالم الثلاث... ومنها إلى الأندلس؛ (شبه جزيرة إيبيريا) التي كانت لقرون عديدة قبلة طلاب العلم والعلماء من أرجاء المعمورة، ومن القارة الأوروبية خاصَة التي كانت الفاتيكان محتكرة فيها العلم والتعليم، وحاجبته عن الآخرين حتى لا يتعلموا القراءة والكتابة ليزدادوا جهلاً وغباءً، باستثناء أبناء النخبة الذين كانوا يرسلونهم إلى مراكز العلم والمعرفة في قرطبة وغرناطة وأشبيلية وغيرها.. هناك حيث علماء مسلمون يدرِّسون ويتدارسون القرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي الشريف وما فيه من هدي وتوجيه، إضافة إلى علوم ذلك العصر ليتزوَّدوا منهم ما يضمن بقاء حكامهم وتسلطهم.
كان ذلك والقارة الآسيوية والأندلس تعجَّان بالمفكرين والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والطب والتشريح والصيدلة وغيرها من متطلبات عصرهم.. فأقاموا حضارات عمَّ خيرها، وما يزال شعوب العالم، وأوروبَّا تحديدًا التي انتهزت باحتلالها معظم بلدان آسيا، فنقلت ما توصل إليه الآسيويون والمسلمون من علوم واختراعات واكتشافات.. ولعجز الأوروبيِّين عن استيعاب الجديد من المعرفة، نقلوها إلى أمريكا؛ (العالم الجديد).. وبما لديهم من علم، مكنهم سرقة ثرواته بعد القضاء على معظم سكانه، وتحكموا في من بقي منهم.. ومع أنَّ مسلمي الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط كانوا من أوائل من وصل إليها ومعهم علومهم وعقيدتهم، وكان جزاؤهم من غالبية الأوروبيّين مثل (جزاء سنمَّار) الذي بنى في الحيرة (قصر الخرونق) للنعمان بن امرئ القيس من ملوك العرب.. وكما تخبر السيرة، فسنمَّار كان كبير مهندسي عصره، وبتعليمات النعمان، بنى (القصر الأعجوبة) الذي نال استحسان صاحبه.. وكما بات معروفًا، لمَّا فرغ سنمَّار من بناء القصر، أخبر النعمان بأنَّ في القصر حجرًا لو نزع من مكانه يتهدَّم القصر.. فما كان من النعمان إلَّا أن طلب من سنمَّار مرافقته لإطلاعه على مكان الحجر الذي كان في أعلى القصر.. ومن هناك دفعه ليلقى حتفه.. وهكذا أصبح مصير سنمَّار عبرة عن ناكري الجميل.
اليوم، فالغرب منذ هيمنته، ما يزال ناكر جميل مَن اكتشف العلم من (شرقنا اليميني) عامَّة وقدَّمه له.. وكجزاء سنمَّار، ولكي يتمَّ ضمان هيمنته وبقاؤها، تفتَّق ذهنه عن (الفوضى الخلَّاقة) لتدمير كلِّ ما من شأنه الحدَّ من تحقيق أهدافهم في السيطرة والتحكُّم في كلِّ بلدٍ احتلُوه.. وما لم تحزم الشعوب الآسيويَّة اليوم أمرها وتمسَّك بما لديها من حضارة إنسانيَّة وتتآزر، وبما تملكه من قوَّة اقتصاديَّة، وتسعى بكلِّ طاقاتها للتربُع على قمَّة (هرم التنمية والعطاء)، الأمر الذي يضع حدًّا للغطرسة الأمريكيَّة، وينبىءئ بزوالها على غرار زوال (غطرسة الاتحاد السوفيتي) وأحزابه الشيوعيَّة في العالم كافَّة.
ويبقى لقاء الغرب بالشرق، عامل خراب وفساد وهدم.. أمَا لقاء الشرق بالغرب، فلقاء حضارة إنسانية تضمن للجنس البشري بقاءه.
bashirkurdi2@gmail.com