من قصصي التي لم تعمل لها ذاكرتي (Delete) قصّة امتحاناتي النهائية في الثانوية بمدرسة ثقيف بمدينة الطائف، ويا لها من قصّة أُسْعَدُ بذكراها وأسخر في نفس الوقت من نفسي حتّى لو كُنْتُ آنذاك شابّاً بعزيمة وإصرار.
وكُنْتُ في القسم العلمي الذي لا تقلّ مناهجه قديماً عن المناهج الجامعية في قوّتها وتنوّعها وصعوبة النجاح فيها، فضلاً عن صعوبة نيْل النسب العُليا، الأمر الذي جعل كافّة الطُلّاب يتخوّفون من الامتحانات وكأنّها (بُعبع) لا يمكن قهره.
وكان لي زميل دراسة -سامحه الله- على ما تسبّب لي من اضطراب وتشويش على مذاكرتي، إذ جاءني قبل الامتحانات النهائية ومعه قصاصة ورقية فيها أدعية غامضة وطلاسم، ونصحني أن أقرأها ليالي الامتحانات، وسيتكفّل الجنّ بتغشيشي فيها، فسألته: وكيف يغشّشونني؟ فقال سيأتوك في الليل ويُفْشُون لك الأسئلة بعد سرقتها من المدرسة، ولا أُخفي عليكم أنّني كِدْتُ آخذ الورقة لولا تذكّري أنّني أخاف من الجنّ دون رؤيتهم، فما بالي إذا طلعوا عليّ ضيوفاً في الليل ومعهم الأسئلة، هل سأضيّفهم شاي مع فول طائفي بالتميس؟ وهل سأذاكر جيّداً؟ بل هل سأقدر على النوم أصلاً؟ وماذا سأقول لوالديّ -يرحمهما الله- إذا سألاني: من عندك يا طلال؟ نسمع همهمتكم وهمساتكم ومناجاتكم؟.
وهكذا رفضْتُ عرضه المُغْري، وحرَقْتُ القصاصة أمامه، لكنّي أمضيْتُ أسبوعيْ الامتحانات في هلعٍ شديدٍ، أذاكر جيّداً في العصر وبعد المغرب، وأستلقي للنوم بعد العشاء في الصالة بحضرة والديَّ -يرحمهما الله- كي ينشغل تفكيري بصوت التلفزيون فأنام سريعاً، رغم إلحاح والدتي -يرحمها الله- على الذهاب لغرفتي كي أنام، لكن هيهات هيهات، دعيني يا أمّاه ولا توقظيني إلّا في الصباح.
والحمد لله، انقضت الامتحانات، ونجحت بتقدير جيد جدّاً، والتحقت بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عندما كان اسمها (جامعة البترول والمعادن) فقط أو اختصاراً (UPM)، وتخرّجت منها مهندساً مدنياً، وتوظّفْتُ في المؤسّسة العامّة لتحلية المياه المالحة حتّى التقاعد، وكاتباً في هذه الجريدة الغرّاء، ونسيت الجنّ وتغشيشهم، أمّا زميلي فنجح هو الآخر لكن كيف؟ الله أعلم، واختار معهداً مهنياً، وقابلته بعد سنين طويلة بعد أن صار متقاعداً مهاجراً، وكان أوّل ما ذكّرتُه به هو جنّ التغشيش في الثانوية، فضَحِك وهو يستغفر، ويسأل: إنتَ لِسَّه فاكر؟.