إنّ التقدّم الصناعي يساعد في تعزيز سيادة الدولة على أراضيها، مع تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي بعيدًا عن الإملاءات المترتبة على استيراد السلاح وقطع غياراته، والسلع الرئيسة والتكنولوجيا، إضافة إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي للدولة عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي وتدعيم الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى زيادة ثروة ورفاهية الشعب السعودي، والمُقيمين على أرض المملكة، وتوفير فرص عمل في العديد من المجالات، مما يؤدي إلى حل مشكلة البطالة، وتوفير المنتجات المصنعة محليًا وبأسعار مناسبة. كما تسهم الصناعة في تطوير كثير من القطاعات الأخرى عن طريق المنتجات التي تقدمها لخدمة هذه القطاعات مثل: الزراعة، التجارة، النقل، التعليم، السياحة، كما أن الصناعة تقلص الاستيراد من الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى خفض الضغوط على الموازنة العامة، وتحسين ميزان المدفوعات، وفي الوقت ذاته سيؤدي إلى إمكانية التصدير، وهذا يترتب عليه زيادة حصيلة الموازنة العامة من العملات الأجنبية؛ لذلك فإنّ 18 أكتوبر 2022 م تاريخ يُحفر في ذاكرة كل سعودي وسعودية، ففيه أطلق ولي العهد الإستراتيجية الوطنية للصناعة السعودية الهادفة إلى تحويل اقتصاد المملكة من اقتصاد نفطي في مجمله إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار، يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، إذ يعد القطاع الصناعي أحد مرتكزات الرؤية، ويحظى باهتمام كبير من القيادة، فأُنشئت وزارة مستقلة للصناعة والثروة المعدنية للاهتمام بهذيْن القطاعيْن، وعدد من البرامج والكيانات الأخرى، مما نتج عنه مضاعفة عدد المنشآت الصناعية التي لم يكن يتجاوز عددها 7,206 مصانع أنشئت خلال 42 عامًا، ليقفز عددها بعد انطلاق الرؤية بأكثر من 50% ليصل إلى 10,640 منشأة صناعية في 2022. وستعمل الإستراتيجية الوطنية للصناعة على دفع عجلة النمو في القطاع، لتصل أعداد المصانع إلى نحو 36,000 مصنع بحلول 2035، فكما قال ولي العهد: "لدينا جميع الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة. ومن خلال الإستراتيجية الوطنية للصناعة وبالشراكة مع القطاع الخاص ستصبح المملكة قوة صناعية رائدة تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدر المنتجات عالية التقنية إلى العالم".
وتركز الإستراتيجية الوطنية للصناعة على 12 قطاعًا فرعيًا لتنويع الاقتصاد الصناعي في المملكة، فيما حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال سعودي، لتُشكِّل فصلًا جديدًا من النمو المستدام للقطاع، بما يحقق عوائد اقتصادية طموحة للمملكة.. كذلك تعمل الإستراتيجية على وصول مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة.
إنّ المملكة العربية السعودية تتطلع من خلال الإستراتيجية الوطنية للصناعة، إلى تمكين القطاع الخاص، وزيادة مرونة وتنافسية القطاع الصناعي، إضافة إلى المرونة الصناعية، التي تضمن استمرارية الوصول إلى السلع المهمة من أجل رفاهية المواطن، واستمرارية النشاط الاقتصادي، وقيادة التكامل الإقليمي الصناعي لسلاسل القيمة، وتحقيق الريادة العالمية في مجموعة من السلع المختارة، من خلال الاستثمار في التقنيات الجديدة الواعدة، ولتحقيق هذه المستهدفات الوطنية الطموحة، طُور نموذج حوكمة للقطاع الصناعي من خلال تشكيل اللجنة العليا للصناعة، برئاسة ولي العهد، ليشرف على تطوير القطاع، إضافة إلى تشكيل المجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، لضمان إشراك المستثمرين الصناعيين في صنع القرار وتطوير السياسات.
ومن الصناعات التي ركزت عليها الإستراتيجية: صناعة هياكل الطائرات.. وصناعة السيارات الكهربائية، وقد بدأت شركة لوسيد للسيارات الكهربائية أعمال بناء مصنع متقدم لها في المملكة بطاقة إنتاجية تبلغ 155 ألف سيارة سنويًا، وباستثمارات تزيد على 12.3 مليار ريال.. وصناعة الأدوية، التي تشمل نشاطات سبيماكو الدوائية وشركاتها التابعة لسلسلة القطاع الدوائي بالكامل بدءاً من نشاط البحث والتطوير وتصنيع المواد الأولية للأدوية، وانتهاءً بالتسويق والتوزيع للأدوية.
إنّ القطاع الصناعي في المملكة يستند على أسس صناعية متينة، ونجاحات بنيت على مدى 50 عامًا، حيث أسهم في إضافة أكثر من 340 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي، ووفر العديد من الوظائف النوعية، وفرص ريادة الأعمال في المجالات الصناعية المتعددة؛ إذ تحظى المملكة بوجود شركات صناعية وطنية رائدة، أسهمت في وضع الصناعة السعودية في مصاف الصناعات المتقدمة إقليميًا وعالميًا، إذ تُعد المملكة اليوم رابع أكبر مصنع للمنتجات البتروكيماوية على مستوى العالم، فيما تسهم مخرجاتها الصناعية في تزويد سلاسل الإمداد والتصنيع العالمية، التي تدخل في إنتاج العديد من الصناعات.
ولابد من النظر إلى تجربة المملكة في مشروع "ذا لاين" بـ"نيوم"، الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان، والذي يطوع البيانات والذكاء الاصطناعي، لخلق تجربة دون منغصات مع المحافظة على البيئة، فما يحدث في نيوم اليوم هو بمثابة أكبر منصة ابتكارية للتخطيط للنماذج الحضرية ومدن المستقبل للـ150 سنة القادمة.