دون شك بأن النظافة تعد أحد أهم المعايير التي تقاس بها حضارة الأمم ويقاس به تقدمها، وعندما نقول النظافة فإنا نقصد بذلك نظافة المكان الذي يرتاده الناس بكل مكوناته الحضارية كالمطارات والشوارع والحدائق والمؤسسات وأماكن الطعام والترفيه والصلاة والمستشفيات ودورات المياه، فهذه هي البنى التحتية التي يلامسها الإنسان الذي يتوجب أن يتفاعل معها بصور مسانده كالاهتمام بها والإبقاء عليها نظيفة وعدم العبث بها وتلويثها، فذلك أيضاً يعد مظهراً حضارياً يستوجب على كل مواطن ومقيم أن يحافظ عليه ويهتم بمظهره.
لكن اللافت للانتباه أن هذا المظهر الحضاري في بعض مدننا لا يزال يحبو ويتطلب الكثير من الاهتمام والعمل من قبل الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها أمانات المدن وبلدياتها التي أراها مقصرة في ذلك تقصيراً بينًا ولافتًا، فهي من يوكل إليه الأمر مؤسسيًا لذا يستوجب على هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ومعها كل أجهزة الإعلام ومنابر المساجد أن تعطيه الكثير من الاهتمام الذي يجمع بين التوعية والرقابة والمحاسبة فإهمال جانب النظافة حتماً سيكون عاملاً مؤثراً في تشويه ما تقدمه دولتنا من المشاريع العملاقة في مختلف المجالات الحياتية وخاصة أن بلادنا تعد جاذبة لملايين البشر القادمين إما للحج أو العمرة أو لحضور ملتقيات عالمية لمناسبات رياضية وثقافية وفنية وحضارية مما يستوجب أن يجد ذلك الزائر ما يسره ويطبع في ذاكرته الصورة الناصعة عن نظافة المكان ورقي الإنسان في السلوك والمعاملة بالإضافة إلى توفر كافة المتطلبات التي يحتاجها، وحول هذا الجانب كم أتمنى من وزارة البلدية والقروية والإسكان أن تعيد النظر في آلية عمل شركات النظافة في المدن ودعم رواتب عمال النظافة الذين تحول الكثير منهم إلى متسولين وترك عملهم الأساس فما يقدم لهم من رواتب لا تفي أحدهم بقوت يومه.
وفي جانب آخر لا يقل أهمية عن جانب النظافة ويستوجب على الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ومجلس الشورى والمجالس التنموية أن تهتم به كثيرًا وهو صيانة المشروعات التي أنجزتها الدولة بعد اكتمالها والتي كلفتها مليارات الدولارات وأهمل فيها جانب الصيانة التي تعد أهم من بناء المشروع نفسه، وكم أتمنى أن تسن الأنظمة الرادعة لمن يتهاون في ذلك سواء من الأجهزة الحكومية نفسها أو من الشركات المتخصصة في ذلك وكم هو محزن أن نجد بعض تلك المشروعات العملاقة تضمر وتتهاوى نتيجة لسوء صيانتها وعدم المتابعة والاهتمام بها من قبل ذوي العلاقة بها.. والله من وراء القصد.