* لست من مُريدي برامج ومواقع التواصل؛ فلا حساب أملكه إلا في (السيد تويتر)، ولكن (الأخ واتساب) دائماً ما يحاول النيلَ مني بمقذوفاته، التي كان منها قبل أيام مقطع فيديو اقتحم هاتفي المحمول، ورغم أن من عاداتي رفض التشغيل التلقائي للمقاطع المرئية إلا أن رسالة صوتية تحفيزية سبقت المقطع من أحد الأصدقاء شجعتني على المشاهدة.
*****
* فحروف صديقي في صوتيته كانت ترقص ابتهاجاً، بل ظهر منها أنه ربما أقام الأفراح والليالي الملاح احتفالاً بما احتواه ذلك المقطع؛ ولذا سارعت إلى تشغيله؛ فوجدت (رجلاً) يتمايل طرباً وفرحاً بكلمات غريبة يردّدها، ومنها:
هِي هِي وهِي ثمّ هِي هِي وهي وهِي... مُنىً لِي مِنَ الدنيا من الناسِ بالجُمَلْ
أَلا لا أَلا إِلاَّ لآلاءِ لابِثٍ... ولا لا أَلا إِلا لآلاءِ مَن رَحَلْ
فكَم كَم وكَم كَم ثُمَّ كَم كَم وكَم وَكَم... قَطَعتُ الفَيافي والمهامه لَمْ أَمَلْ
*****
* فجأة توقفتُ عن المشاهدة مستغرباً، وسائلاً نفسي: هل هذه تعويذة سحرية؟! أو ربما تكون مقطعاً من إحدى أغاني المهرجانات والرَّابَات غير المفهومة، التي بدأت تغزو مجتمعنا، وتخطف إعجاب الشباب والفتيات؟! لكني استبعدت ذلك؛ فصاحبي ليس من حاملي تلك الرايات!!
*****
* أعدت تشغيلَ الفيديو، وتذكرت فرحة صديقي الكبيرة به، فقلتُ هو بالتأكيد شيء يدعو للفخر ورفع الهامة، فقد تكون تلك الكلمات التي استطاع (ذلك الرجل الطيب الذي أقدر شخصه الكريم) ترديدها «شفرة لصناعة صاروخ وطني عابر للقارات، أو هي معادلة كيميائية طبية لدواء يقضي على العضال من الدّاء»!!ا
*****
* طبعاً خابت تلك التوقعات فما تلك الكلمات إلا عبث لفظي، وما حفظها وتداولها إلا مضيعة للأوقات، فلا فائدة منها تعود على الفرد أو الأوطان أو المجتمعات؛ فمن اللا معقول أننا من ماضينا العربي العريق نسينا العلوم التي فتحت للغرب والشرق كل نوافِـذ المخترعات في كل المجالات، وتمسكنا فقط بمثل تلك الترهات؟ هل لأننا كعرب لا نجيد في حاضرنا إلا سفسطة العبارات وتصريحات الشجب والاستنكارات؟ فيما أصبحنا نستورد كل شيء حتى ما نأكله من لقَيمات؟
*****
* أما مستقبلنا فقد اختصرته وبشرت به برامجنا الفضائية الأشهر «وهو المزيد من المطربين والمطربات والممثلين والممثلات ومشاهير الغفلة والتفاهات»، فيما العلماء عندنا -وللأسف الشديد- أحياءٌ في عداد الأموات؛ ويبقى الأمل بألا يضيع الحُلم، وأن تسترجع ذاكرتنا ما فات من نجاحات، وأن نستعيد صناعة الطموحات.