من قصصي الواقعية التي حصلت لي في مدينة الطائف حيث مسقط رأسي ومحلّ طفولتي قصّة (الأرض البيضاء وكرة القدم).
كان عمري 15 سنة، مع جيراني وأصدقاء العمر، محمّد ساعاتي وعدنان حريري وأسامة الياور (يرحمه الله) وغيرهم، وكان بجوارنا أرض بيضاء صغيرة قد نمت فيها أعشاب شوكية وأصبحت مرمى للنفايات، ولا نعرف مالكها، ولو عرفناه لمشيْنا إليه وفداً رفيعاً من لَدُنّا يستأذنه بأن نلعب كرة القدم في عصريات الطائف الجميلة.
بيْد أنّنا تصرّفْنا بأنفسنا، ودون إشعار والدينا، فنظّفْنا الأرض بأيدينا واستأصلنا الأعشاب الشوكية، ونقلنا النفايات لمكان آخر، وأحضرنا قِدَداً خشبية قديمة وركّبْناها كأبواب حراسة المرمى، واشترينا أسمنت أبيض وحدّدنا به الملعب، وهكذا وبعد عناء أصبح لدينا ملعب كرة قدم جاهز لاستضافة مباريات الشوارع، كما أسْسْنا نادياً سمّيْناه (الجبابرة)، تاريخ.. تاريخ.. يا أولاد، كما كان الفنّان المصري الراحل يوسف وهبي يقول عند استعادته لذكريات الماضي.
ولكن جاءت العروس تفرح ما لقت مطرح، إذ طلع علينا فتيان زعموا أنّ الأرض من أملاكهم، وأنّ علينا ترْكها فوراً، ولأنّهم أكبر سِنّاً وأقوى جسماً فقد انصعْنا، وجلسنا نندب حظّنا، وبعد مشاورات تشبه مشاورات برلمانات الدول قبل خوضها للحروب أزلْنا في الليل كلّ ما شيّدناه، وأعدْنآ الأعشاب الشوكية مع توزيع أعواد الشوك على كامل مساحتها لتكتوي بها أقدام الفتيان، وجمعنا ما يمكن جمعه من نفايات منازلنا وألقيناه عشوائيا عليها حتّى أيقنّآ بالانتصار.
وبعد أيام، وخلال تجمّعنا للعب الورق على رصيف الشارع فوجئنا بعربة (عراوي) تقف بجوارنا وفيها الفِتيان، ثمّ نزلوا وهات يا ضرب، و(فين) ما يوجعك؟ انتقاماً لما فعلناه، ورجع كلٌ منّا لمنزله وآثار اللكمات علينا، لا سالمين ولا غانمين.
ومن بعدها، وفي الكبر كما في الصغر، صارت عندي حساسية تجاه الأراضي البيضاء، وانعدام فائدتها للمجتمع، ما لم تصدر قوانين حولها، وبالفعل صدرت قوانين في السنوات الأخيرة، عساها خدمت المجتمع بكافة شرائحه.