إن تأريخ الشعر سلسة من المتغيرات الكبرى في اللغة والبناء والصورة، ولهذا يقول جورج والي: «على كل جيل من الشعراء أن يعيد اكتشاف الطبيعة الخاصة للاستعارة من جديد لأنها من الشعر حياته».
كانت الخمسينيات الميلادية من القرن الفارط شديدة المغامرة في هذا؛ فقد أوغل في اكتشاف أنواع الصور الشعرية؛ فضلا عن قوتها الكامنة على امتداد النص الشعري.
كنتيجة حتمية؛ أدى ذلك إلى التباري بالهجوم على البلاغة الأمر الذي نتج عنه القول بموت البلاغة، وانتهاء الأسلوب الاخباري العاطفي المجرد، نظرًا للحضور القوي للأفكار والعواطف المتصارعة مع ما يصحبها من وجود تيارات قابلة للتمرد على النسق القديم في بناء الصورة.
يقدم الناقد الكبير إحسان عباس حالتين للصورة الشعرية في القصيدة العربية الحديثة، سمى الأولى: الصورة العريضة؛ ويعني بها التقاط الشاعر الجزئيات ويهتم بالأشياء الصغيرة لإدخالها في نسيج القصيدة، فهي تتكون من عدة «وحدات من الصور مرسومة أفقيًّا حيث يستوعب المرء المشاهد بأكملها، ممتدة أمامه، ممتلئًا بالحركة والمشاهد الصغيرة والأصوات».
أما الثانية فهي؛ الصورة الطويلة، وفي هذه الحالة تنحو القصيدة منحى التأمل والتعمق والذهاب بعيدًا في الأداة والرؤية، معتبرًا إياها نوعًا من الصورة الموسعة التي يروي فيها المتحدث تجربته الخاصة.
ولهذا نراه جليًّا وهو يتلمس في «ملامح أسلوب البياتي في ديوان (أباريق مهشمة)، حيث كان التركيز ينصب على (التصوير الشعري)، إذ قسم صور البياتي الشعرية في الديوان إلى قسمين: صورة عريضة تتكون من وحدات متنوعة -غالبًا- مع ملاحظة ارتباطها بالحيز المكاني؛ مثل قصيدة (سوق القرية)، في مقابل ذلك، هناك مجموعة من الصور الطويلة بحيث تسير في خطٍ مستقيم وغالباً ما تتعلق بفردٍ، أو شبح، أو إنسان، وهذا ما يمكن ملاحظته في مثل قصيدة (مسافر بلا حدود)».
وفي هذا السياق ترى الناقدة سلمى الجيوسي أن من عادة القصائد التي تستخدم الأسطورة تميل بشكلٍ خاص إلى استعمال الصور الطويلة العريضة، المدعومة دائمًا بكثير من الاستعارات القصيرة.