وكانت بيوت محافظة «الحرجة» الملونة من أبرز ما لفت نظر الرحالة والباحث الفرنسي المعروف ، حيث وثقها بالصور في زيارتين متباينتين، الأولى في عام 1980عندما قَدِم لمنطقة عسير بصفته مهندساً يعمل في مجال الحاسب الآلي في أحد القطاعات الحكومية إلى جانب اهتمامه بالفنون والتراث ، ثم عاد في زيارة ثانية بصفته باحثاً في عام 1994م.
وفي دراسته لفن تلوين البيوت في منطقة عسير وخاصة محافظة «الحرجة» يرى موجيه أن تأثير مدرسة الواقعية الفنية يظهر جلياً في تصوير النباتات والأغراض اليومية والطيور في التصميم الفني الخارجي للبيوت، ويحتمل أن يدخل على العناصر التصويرية تصويراً حيوانياً أو حتى بشرياً .
ويضيف « يعيد الإطار المزخرف الذي يزين الباب إلى الأذهان بشكل رمزي وظيفة الباب باعتباره نقطة انتقال بين الخارج والداخل، وتشترك إطارات الباب في التصميم ذاته مع الواجهة الأمامية للملابس التي ترتديها النساء».
ويؤكد موجيه في دراسته أن النساء يستفدن من التشكيلة الجديدة المتاحة لهن من الألوان الصناعية بعد تحررهن من القيود التي تفرضها مساحيق الألوان الطبيعية، ويعلق على الأمر قائلاً « كان من الأحرى أن تكشف زخارف الجدران تفضيلات الألوان والترابط المفضل بينها بناء على توزيعاتها، لكنها في الحقيقة تكشف التدرج، فالدرجات المستخدمة في الأغلب صارخة وقاطعة، ونادراً ما تكون مدرجة أو مركبة، ولا ترى أبداً في الزخارف نفسها أكثر من نوعين».
ويورد الباحث الفرنسي تفسيراً خاصاً لاستخدام اللون الأزرق في الواجهات الخارجية لبعض البيوت التراثية ، حيث يعتقد أن «تلوين الأبواب والنوافذ وهي جفون المنزل باللون الأزرق، وتظلل حدودها باللون الأحمر، وعلى الرغم من كون اللون الأزرق غير محايد، فإنه ينتمي إلى منطق يمكنه أن يشمل طابعاً عملياً وهو طرد الذباب».
ويصل موجيه إلى نتيجة مفادها أن «بلاد قحطان ومنها الحرجة - تتميز بعلامة ثابتة تحدد النوافذ باللون الأزرق وتحاط باللون الأحمر في ثلاثة جوانب ، فتعكـس ألـوان المنازل والصخور المطلية حولها الإحساس بالتعايش بين الطبيعة ومواد البناء، وتنبع الرغبة المستمرة في زخرفة الباب وطلاء الدرج من الحاجة إلى زيادة قيمتها الرمزية باعتبارهما محطة عبور إلى الداخل ».
تلوين البيوت التراثية
وفي مطلع العام الجاري قررت وزارة الثقافة وبتوجيه من وزيرها الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، ممثلة في هيئة التراث ، إطلاق مشروع يحتفي بهذا الفن التراثي العريق تحت عنوان «تلوين البيوت التراثية من الخارج «، وتتمثل المرحلة الأولى في إطلاق مسابقة لتلوين سبعة بيوت تراثية بمحافظة الحرجة جنوب مدينة أبها بحوالي 140 كيلومتراً، وذلك لتعزيز الهوية السعودية والتراث الفني الذي ينبثق منها، إضافة إلى الحفاظ على الإرث الثقافي والقيم الاجتماعية العريقة ورعاية الإبداع والمبدعين.
وبدأ الاهتمام بمشروع «بيوت عسير الملونة» بعد أن نشر سمو وزير الثقافة تغريدة يؤكد خلالها على ضرورة إحياء هذا الفن الأصيل بمنطقه عسير، ووجه سموه الهيئة العامة للتراث لإطلاق المبادرة في المواقع المستهدفة والبدء في أعمال ترميم المنازل المستهدفة وتهيئتها لتكون أنموذجاً لهذا الإرث الثقافي العريق ، وتحفيز أصحاب القصور التراثية القديمة للعناية بآثارهم والمحافظة عليها، وبدأت المسابقة في أعمال الترميم على سبعة منازل تميزت بالتلوين في الماضي، وقد أنهيت أعمال ترميمها في أغسطس 2022 لتبدأ تلك القصور فصلاً جديداً من الألوان الزاهية من الطبيعة وعناصر البناء.
وتجدر الاشارة الى ان وزارة الثقافة اختتمت المسابقة التي نظمتها هيئة التراث في قريتي آل مسلم، ووادي جناب بمحافظة الحرجة بمنطقة عسير على فعاليات «تلوين» مصاحبة مثل الرسم على الخوص وتلوين قبعة الرأس « الطفشة»
وفتحت المسابقة المجال لمشاركة الأطفال من خلال عدة أجنحة منها جناح»الراوي» الذى يركز جميع القصص على التراث العريق للمكان إضافة إلى سرد قصص اجتماعية مثرية معرفياً للأطفال المشاركين الذين تفاعلوا معها بشكل كبير.