ما أجمل أن يكون هناك حراك ثقافي فكري في وطني وما أروع أن تتولى شؤون الثقافة والفكر والفنون هيئة متخصصة تقدم لنا على مدار العام وجبات متنوعة وثرية بخلاصة الفكر البشري وإبداعات الكتاب والمؤلفين في كل المجالات من الأدب العربي والثقافات البشرية المتنوعة على اختلاف مشاربهم وعلومهم وخبراتهم.
سعدت كثيرًا بالتجول في أروقة معرض الكتاب في جدة عروس البحر الأحمر ملتقى الثقافات والحضارات وبوابة الحرمين. سألتني صديقتي ما هي طقوسك في عالم الكتابة ولأول مرة منذ عشقت الحرف والكلمة أكتب كلماتي هذه بكل حب وعلى أصوات تغريد العصافير مصحوبة بموسيقى هادئة وعلى رائحة شموع عطرية تجعلني في حالة صفاء فكري بعيدًا عن ضغوطات الحياة لأعيش مع الحرف بكل أحاسيسي وأستحضر ذلك الجمال الأخاذ وأرى بعيني قلبي وبصفاء روحي تلك الدور التي تزينت بها أروقة المعرض وذلك الحضور الكثيف لزوار المعرض، كنت أتنقل من جناح لآخر وأتمنى من صميم قلبي أن تطول تلك اللحظات ولا أفارق المكان إلا وفي جعبتي الكثير من الذكريات والاستزادة من معين الكتب والروايات والقصص وتبادل الأحاديث مع صناع الحضارة الإنسانية.. شكرًا مداد الكلمات لهيئة الأدب والنشر وللمشرفين الثقافيين من بذلوا جهدهم ليكون برنامج المعرض متميزًا بتميز الحدث الأهم في حياة كل عاشق للكتاب.
صناعة الفكر والحفاظ على الهوية والتمكن من أدوات العلم والمعرفة والحضور الملفت للإنسان منبعها الأصيل هو الثقافة وعالم القراءة عالم بهيج ومن تتلمذ منذ صغره على مصاحبة الكتب لابد أن يكون مبهرًا في حديثه وملفتًا للأنظار.
توقفت كثيرًا عند البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض وتيقنت بأن العمل المتميز لابد أن يكون مسبوقًا بتخطيط احترافي يليق بوزارة الثقافة المعنية بتعزيز مكانة الكتابة في حياتنا اليومية.
الندوات الحوارية وأحاديث الكتب وورش العمل والأمسيات الشعرية وفعاليات جناح الطفل كانت حافلة بكل جديد ومواكبة لاهتمامات جيل الشباب عدة المستقبل، لفت انتباهي ذلك العدد الكبير منهم وهم يرتادون الأمسيات والندوات، تم اختيار المتحدثين والضيوف والموضوعات التي تلبي احتياجاتهم ونالت استحسانهم وحققت لهم مرادهم، الشغف كان حاضرًا بقوة في منصات توقيع الكتاب كل وجد ضالته فيما يعشقه ويهواه.
دور النشر السعودية تنافس بقوة مع دور النشر العربية، وجيل واعد من شباب الوطن يضع له بصمة حقيقية في عالم التأليف والنشر، تعرفت على شابة اسمها الهنوف المغربي سمعتها وهي تتحدث عن شغفها بعالم الفكر الفلسفي وكتابة الرواية التي تغوص في أعماق النفس البشرية واقتنيت رواياتها الثلاث ضمن ملحمة السلام، أسرتني بحديثها وكلامها وانتظرت نهاية حوارها لأصحبها حيث دار النشر الذي تمتلك لأقوم بتهنئتها على ما استثمرت فيه سنوات عمرها وشبابها لتكون بهذا العمق المعرفي وكيف استلهمت من شخصية ابن طفيل وقصة حي ابن يقظان للوصول إلى وحدانية الخالق جل في علاه.. هذا الجيل من الشباب يحمل رسالة وغاية وهدف في الحياة تستحق الإشادة والتقدير، ختمت حديثها في إذاعة جدة بقول لامس شغاف قلبي حين قالت: (لابد من إتاحة الفرصة للمبدعين من الشباب ليكون لهم صوت مسموع وابحثوا عنا فنحن قادرون على أن نترك أثرًا إيجابيًا في عالم الفكر الإنساني).
كم أنت محظوظة لأنك تعيشين في مرحلة تاريخية من عمر الزمان وفي ظل رؤية وطنية تؤمن بقدرات شباب الوطن وتتيح لهم الفرصة لاعتلاء المنابر الثقافية والفكرية.
طفت حول كثير من معارض الكتب في العالم العربي وللأمانة أكتب وبكل فخر كم أنا فخورة بما شاهدت وبما سمعت وبما عاينت بنفسي مدى هذا التغير الاجتماعي وهذا الحراك الذي نشهده في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وبرعاية مباركة من سمو ولي العهد عراب الرؤية الذي يؤكد دومًا على أن همة شباب الوطن هي الوقود الحقيقي والمحرك الفعال لتحقيق مستهدفات الرؤية المباركة.
من هذا المنبر أردد وبكل ثقة حقًا وصدقًا السعوديون قادمون وبقوة لاعتلاء منصات عالمية في كل مجال من المجالات ودعوة صادقة لكل القائمين على مثل هذه الفعاليات الثقافية بمزيد من التألق والتميز وجودة الأداء الاحترافي.
نبض الثقافة والأدب والفكر الإنساني:
صناعة الكتابة حرفة، من يتقنها سينال من مقومات السعادة التي لا تعبر عنها كلمات بل يستشعرها لتجري في عروقه وتنعكس على ملامح وجهه ليكون مضيئًا مشرقًا كإشراقة شمس لا تغيب؛ مع كوب من القهوة وتغريد العصافير وتفكر في جماليات الحرف واللحن والمنظر الجميل واللوحة المزينة بأجمل الألوان بفن رفيع.