المبدع عادة يحتاج إلى مساحة جغرافية يختلي فيها بنفسه، حتى يعصر إبداعه ويخرجه للناس شهياً طرياً طازجاً.. وهذه المساحة الجغرافية قد تكون في المنزل أو في العمل أو في المقهى، أو في أي مكان تهطل فيه على المبدع سحابة الإبداع.
ونظراً لأنني بصدد تأليف كتاب عن الإبداع وصفات المبدعين فقد اطّلعتُ على بعض جوانب هذا الموضوع، وعثرتُ على دراسة عجيبة تشير إلى مكان وزمان هبوط الفكرة الإبداعية الجديدة على المبدع، وكانت الأماكن غريبة وترتيبها أغرب فقد حصل «الحمّام» على المركز الأول، كأكثر المناطق جذباً واستدراجاً لتوليد الأفكار الجديدة، ثم جاء في المركز الثاني «وقت الاستحمام»، وحصل على المركز الثالث «وقت الذهاب إلى العمل»، أما مرحلة قبل النوم وبعده فقد حصلت على المركز الرابع.
وحيث إن أكثر الاجتماعات مملّة، فقد جاء وقتُ الاجتماع المملّ في المركز الخامس.. أما القراءة فهي الوسيلة التي تُشعل الأفكار، لذلك جاءت في المركز السادس.
والرياضة بصفتها تحرِّك العقل والبدن فقد حصلت فترة ممارسة على المركز السابع في «دوري الإلهام».
أما فترة صديقي العزيز وهو «المشي»، فقد حصدت المركز الثامن، ويبدو أن هذا المركز المتأخِّر جاء بسبب تحكيمي، لذلك قد نستعين بحكم أجنبي في الدراسة القادمة.
وكثيرٌ من الناس يؤكدون أن الخُطب أصبحت مملة، لذلك ينشغل الناس أثناء سماعهم للخُطب بتوليد الأفكار الجديدة، وهذه الفترة حصلت على المركز التاسع.
أما المركز العاشر الذي قد يهبط صاحبه إلى دوري الدرجة الأولى فقد حلّت فيه فترة «أثناء العمل»، فبدل أن «يزوِّغ» الموظّف من عمله يُشغل نفسه بتوليد الأفكار الجديدة.
حسناً، ماذا بقي؟
بقي القول: أيها الناس هذه أزمنة وأمكنة الإبداع، وأنا -ولله الحمد- جرّبتها كلُّها، ولكن الترتيب عندي يبدأ بالمشي ثم الحمّام، إلخ.