لم يخلق الله تعالى هذا الكون عبثاً بل خلق كل جزء منه لمهمة يقوم بها تتناسب ومكوناته والمكونات المحيطة به، وتلك المهام تكتسب الدقة المتناهية في الأداء فالكل منها يتبادل الخدمات والأدوار، وبما أن هذا الكون العظيم لا نحيط بمهامه علماً، فإن الإنسان من خلال الفكر العظيم الذي وهبه الله إياه يستطيع أن يسبر البعض اليسير من تلك المهام، ولعل المخترعات المتنامية والمتسارعة دوماً تؤكد هذا الأمر فها نحن كل يوم نكتشف البعض من تلك الأسرار الكونية بالرغم من عظم ذلك الفكر وعظم الأسرار التي يكتنزها إلا أن المستخدم منه لسبر تلك الأغوار عند العباقرة على سبيل المثال لا الحصر لا يتجاوز 10٪ من المكونات الحقيقية لذلك العقل أما ما تبقى منه وهو 90٪ فلازال مكتنز الأسرار وحتمًا سوف يستمر ذلك الفكر باكتشاف الكثير من أسرار هذا الكون العظيم.
أما الإنسان المالك لهذا الفكر العظيم فقد خلقه الله تعالى لتحقيق أمرين عظيمين هما:
- عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وتوحيده وتمجيده، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ثم حدد سبحانه طرق تلك العبادة المنوطة بخلق الإنسان وأدواتها في كتبه المرسلة إلى رسله حيث كان كل كتاب منها يحدد ما يناسب تلك الفترة الزمنية من تلك الطرق والأدوات وما يتناسب مع تلك الأمم التي أُرسل إليها أولئك الرسل حتى جاءت فترة الرسالة المحمدية التي ختمت فيها الرسالات بالكتاب المحفوظ من الله سبحانه وهو القرآن الكريم، قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وفي هذا الكتاب خُتمت مطالب الدين وحددت وفصلت كل شيء، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وقال تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ)، وقال تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا).
ومع كل ذلك الوضوح والكمال والتمام والتفصيل إلا أن البعض لازال يخرج عن مضامين كتاب الله فيضيف ما يريد ويحذف ما يريد فيضل هو ويضل الغير، ولعل هذا الأمر هو الديدن الذي يتضح من خلال المسيرة البشرية التي تلت البعثة النبوية حيث برزت الكثير من المذاهب والشعب التي يدعي أصحابها أنهم أصحاب الحق وغيرهم في ضلال وأنهم في الجنة وغيرهم في النار، ولو نظرنا إليها جميعاً بمنظار كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لوجدناهم قد خرجوا عن تلك المطالب الربانية وذهبوا إلى مطالب بشرية مغلفة بلباس الشرع ليكتسبوا من خلالها سلطة أو جاه فانحرفوا بغيرهم عن الصراط المستقيم الذي حدده الله تعالى في كتابه الكريم.
- أما الأمر الثاني فقد خلقهم الله تعالى لسبر أسرار هذا الكون وكشف خباياه التي لا تنتهي، ومحاولة تطويعه لخدمتهم وإعمار الأرض قال تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) وحث عباده على التدبر والتفكر الذي يدعم حتمًا الوصول إلى طريق الحق سبحانه وتعالى.. والله من وراء القصد.