بَين يَدي الآن، كِتَاب جَميل اسمه: The Power Of Now، أي «طَاقة اللَّحظَة»، للفَيلسوف: Eckhart Tolle، ومُلخَّص هَذا الكِتَاب، أنَّ الإنسَان الوَاعِي يَجب أَنْ يُركِّز عَلى اللَّحظَة التي يَعيشها، بِمَا فِيهَا مِن قوّة وطَاقَة ومَكنُونَات..!
المَاضي -كَما تَعْلَمون- انقضَى ووَلَّى، وذَهب وفَات، والمُستقبَل في عِلم عَلَّام الأَرض والسموَات، ولَيس لَنَا إلَّا اللَّحظَة التي نَحنُ فِيهَا، وقَد قَال الشَّاعِر:
مَا مَضَى فَات والمُؤمّل غَيبٌ
ولَكَ السَّاعَة التي أَنتَ فِيهَا!!
إنَّ الإنسَان العَربي -فِي الغَالب- يَفتَقد إلَى الاستمتَاع باللَّحظَة التي يَعيش فِيهَا، فإمَّا أَنْ يَكون مُتحسِّراً عَلى المَاضي، أو مُتخوِّفاً مِن المُستقبَل، أو يَنتظر الفَرح ويُؤجِّله إلَى حِين، ولَستُ أَنَا أَوّل مَن التَفتَ إلَى هَذه النَّاحية -أَعْنِي انعدَام الاستمتَاع باللَّحظَة-، حَيثُ تَنبّه إلَى هَذه «النَّاحية»؛ عُلمَاء وفَلاسِفَة وأُدبَاء كُثر، مِن أَبرزهم المُفكِّر الدَّاعية الكَبير «محمد الغزالي» -رَحمه الله- حَيث يَقول: (لَا تُعلِّق بنَاء حيَاتك عَلى أُمنية يَلدها الغَيب، فإنَّ هَذا الإرجَاء لَن يَعود عَليكَ بخَير.. الحَاضر القَريب المَاثل بَين يَديك، ونَفسك هَذه التي بَين جَنبيك، والظّرُوف البَاسِمَة أو الكَالِحَة التي تَلتفّ حَواليك، هي وَحدها الدَّعَائم التي يَتمخّض عَنهَا مُستَقبلك، فلَا مَكان لإبطَاءٍ أَو انتظَار.. قَال رَسول الله صَلّى الله عَليه وسَلّم: «إنَّ الله يَبْسِط يَده باللَّيل ليَتوب مُسيء النَّهَار، ويَبسِط يَده بالنَّهَار ليَتوب مُسيء اللَّيل».. ثُمَّ إنَّ كُلّ تَأخيرٍ لإنفَاذ مِنهَاج تُجدِّد بِهِ حيَاتك، وتُصلِح بِهِ أعمَالك، لَا يَعني إلَّا إطَالة الفَترَة الكَابية، التي تَبغي الخَلَاص مِنهَا، وبَقاؤك مَهزومًا أَمَام نَوازع الهَوَى والتَّفريط)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي الإشَارَة إلَى ضَرورة الاستمتَاع باللَّحظَة، التي تَعيشون فِيهَا، فهي ثَمينة، ولَن تَعرفوا قِيمتها إلَّا إذَا وَلّت وأَدبَرت، وتَأكَّدوا أَنَّ المَاضي الذي تَتحسَّرون عَليه، مُكوَّن مِن لَحظاتٍ آنية، مَرَّ عَليهَا الزَّمن، فصَارت مِن المَاضي، وهَذه اللَّحظَة التي تَقرؤون فِيهَا هَذه الكِتَابَة، ستَكون مُجرَّد ذِكرى بَعد سَنوَات، لذَلك استمتَعوا بكُلِّ لَحظَة، وتَذكَّروهَا بالخَير..!!