عنوان المقال مُكوّن من كلمتيْن اثنتيْن هما (تأميم) و(المتقاعدين)، وسوف تتوسّطهما بمشيئة الله كلمة ثالثة في ثنايا المقال.
وكلمة (تأميم) في العموم، هي نقل مِلْكيّة قطاع مُعيّن إلى مِلْكيّة الوطن، أي تحويله إلى القطاع العام لمصلحة عامّة تقتضيها الحاجة والظروف، وكلمة (المتقاعدين) هي معروفة بالطبع للقاصي والداني، وتعني الموظّفين الذين ترجّلوا من صهوة جواد الوظائف؛ عندما بلغوا السنّ القانونية للتقاعد.
أمّا الكلمة التي تتوسّط الكلمتيْن، فأقترح أن تكون: (تأمين)، ليصبح عنوان المقال هو: (تأميم تأمين المتقاعدين)، وأقصد التأمين الطبّي الذي يحتاجه المتقاعدون أكثر من كلّ شيء آخر، ومع ذلك ما زال جُلّهم -إن لم يكونوا كلّهم- بلا تأمين طبّي، سواء من جهاتهم التي كانوا موظفين فيها، ثمّ سحبت منهم بطاقات التأمين منهم حال تقاعدهم، أو من مؤسّسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وصاروا إمّا يُراجعون المستوصفات والمستشفيات الحكومية مع ما فيها من ازدحام ومواعيد بعيدة لا تُناسب ظروفهم الصحية، أو يقتطعون جزءاً كبيراً من رواتبهم التقاعدية للعلاج، وفي الأصل ماذا تكفي رواتبهم التي تقلّ عن رواتبهم الوظيفية ولم تَزِدْ ولو بمقدار ريال واحد طيلة سنين طويلة، تخلّلتها ارتفاعات أسعار كبيرة في كلّ شيء، بما في ذلك أسعار العلاج، فضلاً عن تواضع التخفيضات التي تمنحها لهم العيادات والمستشفيات الخاصّة، ممّا تكاد تنحصر في نسبة 50٪ للكشف، الذي زادت تكلفته عن السابق أضعافاً مُضاعفة، لتصبح التكلفة بعد التخفيض بلا فائدة، والكشف ليس كلّ شيء في العلاج، فهناك أشعّات وتحاليل وعمليات جراحية وأدوية ومتابعة، ممّا لا يُطالها تقريباً أيّ تخفيض، فأصبح كثيرٌ من المتقاعدين يستلمون رواتبهم في الصباح، ويُنهونها في المساء بعد تسديد ديونهم وفواتير خدماتهم، وشراء مقاضي بيوتهم.. والعلاج.
إذن، والحال هكذا، ليتنا نُؤمّم تأمين المتقاعدين، وننقله لِمِلْكيّة الوطن، لمصلحة عامّة تقتضيها حاجة وظروف المتقاعدين، وما أجملها من كلمة هي (التأميم) إذا استبدلنا حرف الميم فيها إلى حرف النون، فتُصبح وتُمسي (التأمين) للمتقاعدين.