بعيني رأيت ذئباً يحلب نملة ويشربُ منها رَائباً وحليبًا!
البيت السابق من الأبيات الشعرية الجميلة التي يتداولها الناس مرة من باب الفكاهة والتسلية، وأحياناً من باب السخرية، فالكثير من الناس يجهل قصته، أو الموقف الذي بسببه أنشد الشاعر هذا البيت العجيب الغريب.
فالذئب لا يستطيع أن يحلب النملة، لأن النملة ليس لديها حليب أصلاً
البيت السابق لأحد أعظم الشعراء العرب في عصر الدولة العباسية، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب بعد الإسلام، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام؛ إنه أبوالطيب المتنبي، واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، ولقبه «شاعر العرب»، يقول المتنبي: كنتُ في أحد أسواق الكوفة واقفاً بالقرب من امرأة فقيرة تبيع أنواع من السمك.
فجاء رجل غني جداً أنا أعرفه ويرتدي ملابس ذات ألوان غالية الثمن، تدل سيماه على الغنى الفاحش، قال للمرأة بعد أن أشار بيده إلى نوعٍ من السمك: بكم الرطل من هذا السمك؟، قالت المرأة له: بخمسة دراهم يا سيدي، عندها قال لها بنوعٍ من الكبر: بل بدرهم للرطل الواحد، فقالت له باستعطاف: أنا امرأة فقيرة، والسمك ليس لي، بل لرجلٍ أبيعه له، فيعطيني ما قسم الله لي، فرد عليها الرجل: بل بدرهم ليس أكثر.
فأعدت له المرأة المسكينة عشرة أرطال من السمك؛ على أمل أن تحظى بالثمن كاملاً، فأخذهم الرجل منها بكل شدة وعنف، ورمى عليها عشرة دراهم وذهب مسرعاً، انهمرت دموع المرأة المسكينة، وأخذت تنادي عليه، فلم يرد عليها، يقول المتنبي: فناديت عليه بنفسي فلم يُجِب، لقد كان ذئباً بشرياً في غناه وبخله ولؤمه، وكانت المرأة نملة في ضعفها وفقرها وعوزها، وعندها أنشد المتنبي بيته السابق جراء هذا الموقف الصعب.
عن أبي بن كعب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشعر حكمة».