عندما خلق الله تعالى عباده من الجن والإنس كلفهم جميعاً بعبادته وحده لا شريك له، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وحتى تتحقق تلك العبادة في ممارسات حياتية جعل لهم دينًا واحدًا فقط وهو دين الإسلام، قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وحتى لا يكون لهم حجة في تلك العبادة أرسل الله تعالى لكل أمة رسولاً مهمته تبليغ أمته بتفاصيل دينهم واستمر التتابع في التجديد في تعاليم ذلك الدين حسب مستجدات كل أمة حتى جاءت آخر الرسالات السماوية عن طريق خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم الذي اكتملت وأتمت وفصلت في رسالته تلك العبادات في دين الإسلام حتى لم يبق منها شيء، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وقال تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) وقال تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ).
وبعد هذا الاكتمال والاتمام والتفصيل في كتاب الله تعالى القرآن الكريم من خلال الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن تم التبليغ الكامل من الرسول استمر الالتزام به كما نزل لأكثر من قرنين من الزمان وتحديداً في العصر العباسي عندما ظهر بعض الفقهاء والمحدثون فكتبوا الحديث واختلفوا في المسائل الفقهية، ونتيجة لذلك بدأ التفرق والتشرذم ينخر جسد الأمة الإسلامية ويشتت جمعها حيث تحولت إلى شيع وفرق وطوائف كل طائفة تدعي أنها على حق وغيرها على باطل وأنها الوحيدة في الجنة وغيرها في النار وكل فرقة تستند على أحاديث منقولة من الأفواه بعد مضي أكثر من قرنين مما ينطبق عليهم جميعاً قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
والعجيب أن التشريع الذي أكمله الله تعالى وأتمه وفصله في 600 صفحة أصبح مشاعاً في ملايين الصفحات التي قالها البشر، وهذا التفرق حدث أيضًا عند أمم الرسالات الأخرى بعد أن اتجهوا إلى أقوال أحبارهم ورهبانهم وقساوستهم وتركوا الملة الحنيفية ملة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي سمانا المسلمين ولم يسمِّنا السنة أو الشيعة أو الحنفية أو المالكية أو الحنبلية، أو شافعية، هذه الملة التي سار عليها والتزم بمضامينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهذا ما حدث عند أمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما هجرت كتاب الله تعالى المكتمل التام المفصل اليقيني واتجهت إلى أقوال الفقهاء البشرية والأحاديث الظنية الدلالة فتشرذمت الأمة وتفرقت إلى شيع ومذاهب وطوائف.. والله من وراء القصد.