ألحظ مؤخّرًا ارتفاعاً حادّاً في نبرةِ بعض المُتحمّسين المُشبَعين بثقافةٍ ذكوريّة سيطرتْ على فئاتِ في المُجتمع السُّعودي طوالَ عقود، تأثُّراً بموروثاتٍ تَعتبر الوصايةَ الصّارمة على المرأة أمراً بالغَ الحساسيّة، فتجاوزت الحدّ المعقولَ لدى بعضهم؛ إلى مُمارساتٍ همجيّة عنيفةٍ غيرِ إنسانية، فالعَلاقةُ بين المرأةِ والرّجل في المُجتمع السُّعودي، تأثّرت بتشوّهات على مدى العُقود الماضيّة، ولعلّ ما نراه من تعنيفٍ مُتبادَل وآراء مُتشنّجة، من مظاهرِ تلك التشوّهات التربويةِ الثقافية.
لقد بادرَت الأنظمةُ والقوانينُ الحكوميةُ بشكلٍ سريعٍ وحاسم، بإتاحةِ مزيدٍ من الحُريّاتِ الشّخصيةِ والفرص الوظيفيةِ، وإعطاءِ المرأةِ السُّعودية حقوقها المُهمَلة خلال عقود، بوصفِها مواطناً كاملَ الأهليةِ أمامَ الشّرعِ والقانون، إلّا أنّ من المُلاحَظ امتعاض كثيرٍ من الذّكور من تفرّد المرأةِ بحقوقِها الإنسانيةِ، وتماديهم في إظهارِ شهَامتهِم وحرصِهم المزعومِ على المرأةِ عن طريقِ انتقادِها، والمُزايدة والتنمّر عليها، وإسقاطِ أخلاقِ الفضيلةِ عليها وحدَها، إذ تستفزّهم أحوالُها وكلامُها وتحرّكاتُها، وملابِسُها ووجهُها وحجابُها، وعملُها وزواجُها وخُلعُها وطلاقُها، ويعتبرونَ قضيّتها ورقةً يهوّشون بها في كلّ مناسبةٍ ومنصّةٍ اجتماعية، مُتجاهَلين في الوقتِ نفسه قضايا اجتماعيةٍ تربويةٍ ثقافيةٍ أساسيةٍ أخرى، لا يتناولونَها إلّا على استحياءٍ أحيانًا نادِرة.
يبدو أنّ من أسبابِ التنمّر على المرأة، انخفاضُ مستوى المُروءة لدى بعض الذّكور، واقتصارُ الشّرفِ والفضيلةِ في عُرف كثيرٍ منهم على عارِ المَرأة، مما أعفاهم ضمنياً من عبءِ أن يكونوا شريفين في أخلاقِهم وأفكارِهم، أو مُنضبطين في سُلوكهم الشّخصي، فضلاً عن تشتيتِ الانتباهِ عن إحساسِهم بالضّعف والتّفاهة، ولعلّ ذلك يدخل ضمن «مُتلازمة الرّجل الصغير»!.
وهنا أقتبسُ قولاً للكاتب (محمّد الرّطيان): «الشرفُ يا ولدي ليس في الجسدِ فقط كما يظنُّ بعضُ أهلِ الشّرق، الشّرفُ في الكلِمات، والوعْد، والعَمل، والحُب، لا تكنْ شريفاً في أمرٍ ما، وأقلّ شرفاً في أمرٍ آخر!.. كُن شريفاً في كلِّ أمور حياتك».
أختمُ بالقول: إنّ المرأةَ السُّعودية عليها واجباتٌ ولها حُقوق، وهي مسؤولةٌ مثل أخيها الرجل أمام الشّرع والقانون، تُمارس حقوقَها ضمن حدود الأنظمة الرّسميّة، وتتحمّل مسؤوليّاتَها تحت طائلةِ القانون، بوصفها مواطناً كاملَ الأهلية، ومن المروءةِ تجنّب التأليبَ والتنمّرَ عليها بأيّ تصريحٍ أو تلميح.