في كتاب فن اللامبالاة يذكر المؤلف (مارك مانسون) قصتين متشابهتين جداً في كل شيءٍ، إلّا في نهايتهما التي جاءت مختلفة؛ باختلاف معايير الأشخاص أصحاب القصتين، وطريقة تفكير كل منهما ونظرته للحياة.. والقصتان لنجمين موهوبين من نجوم موسيقى الروك تم طردهما من فرقتيهما بشكلٍ ظالم وغير منصف، ولأسباب غير مقنعة.
بطل القصة الأولى اسمه (ديف موستين)، وقد تم طرده قبل يومين فقط من موعد تسجيل الفرقة الناشئة لألبومها الأول، فأقسم أن ينتقم لنفسه بتحقيق نجاح أكبر ممن ظلموه، وبالفعل كان غضبه وألمه هما وقود طموحه، وخلال عامين فقط استطاع تكوين فرقة (Megadeth) التي ذاع صيتها، وبلغت مبيعاتها أكثر من 25 مليون ألبوم، وهو نجاح هائل بكل المعايير والمقاييس إلّا في نظر(موستين) نفسه، الذي كان مشغولاً بالنظر بحسرة إلى فرقته الأولى؛ التي حققت هي الأخرى نجاحات مدويّة، وباعت أكثر من 180 مليون ألبوم.. فأفسدت عليه هذه المقارنة فرحة الانتصار ولذة النجاح، ودفعته لأن يعترف باكياً في ذات لقاء تلفزيوني - بعد أكثر من ١٠ سنوات - أنه فاشل وحزين، رغم كل ما حققه من ملايين الدولارات والمعجبين!.
مشكلة (موستين) أن شعور الظلم والانتقام بداخله تغلّب على كل شعور آخر، فتناسى كل ما حققه من نجاحات؛ ولم يتذكر إلا المقارنة بالفرقة الأولى، وحصر كل معايير النجاح الكثيرة والمتعددة في معيار واحد فقط هو: التفوق على الفرقة التي طردته، وكسر أرقامها!.
القصة الثانية حدثت قبل ذلك الوقت بثلاثين سنة تقريباً، وهي تخص موسيقي آخر اسمه (بيت بيست)، تم طرده بنفس الطريقة من فرقة (البيتلز) الشهيرة؛ التي كانت في طور التأسيس آنذاك، لكن (بيست) رغم صدمة المفاجأة، ورغم أنه لم يصبح نجماً عالميًا، ولم يكسب ملايين الدولارات كما حدث مع (موستين)، إلا أن الأمر انتهى به على نحو أفضل، ففي مقابلة معه في سنة 1994، قال: «إنني الآن أكثر سعادة مما لو بقيت مع الفرقة.. صحيح أن ألبوماتي لم تصل لشهرة (البيتلز)، لكنني وجدت الوقت الكافي للزواج، وتكوين أسرة كبيرة وجميلة، وأبناءً رائعين، وهذا هو النجاح الحقيقي في نظري، الذي لم يستطع بقية أعضاء الفرقة تحقيقه!.
لقد حقق (ديف موستين) شهرة وأموالاً طائلة، لكنه ظل يرى نفسه فاشلاً لأنه تبنَّى معياراً خاطئاً، يستند إلى مقارنة تعسفية بحق نفسه، مما حرمه السعادة التي نعم بها (بيست)، الذي اختار معيارًا أكثر بساطة وواقعية للنجاح، فعلى الرغم من أنهما تعرَّضا لنفس الظروف المحبطة، إلّا أن الأخير أعاد ترتيب أولوياته ومعاييره الشخصية، فشعر بالنعمة وأدرك قيمة ما وهبه الله، ولم يرهق نفسه بمعايير شاقة، فنجح وأقنع نفسه أنه ناجح.. على عكس الأول الذي وضع لنفسه شرطاً قاسياً، فظل يشعر بالهزيمة والانكسار والدونية حتى وهو في قمة النجاح.
عندما تكون معاييرنا مختلّة أو خاطئة؛ فإننا لا نصل في الغالب للسعادة، لأننا نكون حينها نركض خلف أهداف غير واقعية قد تجعل حياتنا أسوأ.. أما عندما نختار معايير صحيحة متناغمة مع واقعنا وقدراتنا، فإننا نكون قادرين على الوصول لقِيَم حقيقية، تُحسّن حالنا وتخلق لنا السعادة والنجاح أيضًا.
أحياناً تكون معاييرنا للسعادة والنجاح هي مَن تُسبِّب لنا الشقاء والفشل.