يُخبرني أحدُ العاملين في أسواق المواد الغذائية المعروفة باسم السوبرماركت؛ أنّ المتقاعدين من الرجال والنساء يتسوّقون في أوقات مُبكّرة من اليوم، بعد صلاة الفجر بالنسبة للرجال، وفي الضُحى وقبل صلاة الظهر بالنسبة للنساء، وتكاد تكون هذه سمة غالبة لسلوكيات تسوّقهم في السوبرماركت.
وقبل أن يُكمل العامل خبره؛ ينبغي أن أقول: إنّني فَرِحٌ للمتقاعدين، فتسوّق الرجال بعد صلاة الفجر يعني أداءهم للصلاة، التي سُنّتُها أهمّ من الدنيا وما فيها، جماعةً في المسجد، فما بالكم بالصلاة نفسها؟، وهذا يجعلهم في ذمّة الله التي لا تُضاهيها ذمّة أخرى، وبالنسبة للنساء فأداءهنّ لصلاة الضُحى قبل التسوّق هو صدقة عنهنّ لا تعدلها صدقة أخرى، والنساء أحوج للصدقات في كلّ مكان وزمان.
ويُكمل العامل أنّ أول عمل للمتقاعدين بعد دخولهم للسوبرماركت؛ هو بحثهم عن مطبوعات التخفيضات التي يُجريها السوبرماركت، فإن لم تُوجد مطبوعات وبالتالي تخفيضات، يُغادر بعضهم السوبرماركت مُطأطئين رؤوسهم دون أيّ تعليق، ربّما كنايةً عن عدم اتّساع ميزانيتهم للأسعار بدون تخفيضات.
أمّا إن كانت هناك مطبوعات تخفيضات؛ فيدخل معظمهم في جدال مثل جدالات القنوات الحوارية التلفزيونية مع المُحاسِب أو المُحاسِبة حول التخفيضات؛ التي يرون أنّها غير مناسبة، وأحياناً يوجد متقاعدون يرفعون أصواتهم الشائخة عند ماكينة الحساب، واصفين التخفيضات باللعب على الذقون، ويُقابل ذلك المحاسبون والمحاسبات بالذوق الرفيع والأخلاق الكريمة، حيث يُطيّبون خاطر المتقاعدين بأنهم سيوصلون ملاحظاتهم للإدارة، ويشكرونهم بعبارات راقية مثل شكراً يا عمّ، وشكراً يا خالة.
وما يُستفاد من هذا الخبر هو ثبوت حاجة المتقاعدين، رجالاً ونساءً، لإعادة النظر في أوضاع معيشتهم، وضرورة تحسين رواتبهم، فالهدف هو شكرهم على ما قدّموه للوطن في حقبة وظائفهم؛ من خدماتٍ مُشرِّفة وطويلة، كي تُحاز لهم دنياهم عند وصولهم لعمر يحتاجون فيه للسكينة والطمأنينة، وهذا هو أفضل ردّ جميل لهم إن تمّ وحصل.