فجع الكثيرون خلال الأسبوع الماضي وهم يُشاهدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً يظهر فيه معلماً وهو يضرب أحد الطلاب بوحشيةٍ شديدة، ومما زاد من حجم الغضب الذي انتشر بين جميع مَن شاهدوا المقطع، إن الضرب كان مُوجَّها نحو منطقة الرأس بصورةٍ أساسية، وكان من الممكن أن يؤدي إلى التسبُّب في عاهة أو إصابة مؤذية، لا قدر الله.
وبعيداً عن الدخول في تفاصيل الواقعة ومعرفة الأسباب التي دفعت المعلم للإقدام على هذا السلوك المرفوض، فالضرب من حيث المبدأ، ومهما كانت الدوافع والذرائع، هو أسلوب لا يمكن تبريره بأي مبرر، وهو ما أكدت عليه وزارة التعليم مرات عديدة في تعميمها وخطاباتها للمدارس، وأبدت صرامة شديدة في التعامل مع مَن يميلون إلى أساليب العقاب البدني، تصل في النهاية إلى حد الفصل من الخدمة.
ومع أن كثيرين أكَّدوا خلال وسائل التواصل أن المعلم تعرَّض إلى استفزاز شديد من الطالب دفعه للخروج عن طوره، واللجوء لهذا التصرف، إلا أن هناك أسئلة أخرى تطل برأسها بإلحاحٍ شديد؛ أين رسالة المعلم في هذه الحالة؟ وأين القدرة على كظم الغيظ والسيطرة على النفس؟، وإذا كان المعلم لا يستطيع السيطرة على نفسه في مثل هذه الحالات، فكيف لطلابه أن يمتلكوا هذه الصفة؟.
ومما يؤسف له أن البعض حاول عبر وسائل التواصل الاجتماعي إيجاد عذر لذلك المعلم، ووجهوا انتقادات شديدة لقرار منع الضرب في المدارس، رغم أن تلك قضية منتهية ومرحلة تجاوزها الزمن. نعم هناك طلاب يتجاوزون بحق زملائهم ويعتدون عليهم جسدياً ولفظياً، وقد يصل الاعتداء إلى المعلم نفسه في كثير من الأحيان حسبما نرى ونقرأ في الصحف، لكن هناك وسائل عقابية أخرى أقرتها الوزارة للتعامل مع الطلاب المتنمرين، وهي كافية من وجهة نظري لوقف العنف وفرض النظام على الجميع.
فالضرب وغيره من وسائل القوة والعنف يمكن أن تتسبَّب في شيوع مناخ من الخوف وسط الطلاب، بما يحرمهم من القدرة على التركيز واستيعاب الدروس، وتجعل المدرسة مكاناً غير آمن ربما تنعدم رغبة البعض في الذهاب إليه، خوفاً مما قد يتعرضون له من اعتداءات، وبذلك يقل معدل التحصيل الدراسي بكل تأكيد، وتتحول المدرسة إلى بيئةٍ طاردة لا يؤمها الطلاب إلا مكرهين.
ومع التسليم بأن المعلم يقوم برسالة سامية، وهو شخص له مكانته الخاصة وتقديره وينبغي على الجميع التعامل معه بمنتهى الاحترام والتبجيل، لأنه يسهم في تربية النشء وصنع الأجيال، فإن هناك أدوات تربوية يمكن للمعلم وبقية العاملين في الحقل التعليمي أن يحصلوا بها على حقوقهم كاملة ويمنعوا التجاوز والتطاول عليهم.
ولأن ظاهرة العنف موجودة أصلاً في مدارسنا، والوزارة تبذل جهوداً كبيرة لمحاربتها والقضاء عليها، فإن قيام المعلمين بضرب الطلاب ينسف كل هذه الجهود ويجعلها بدون معنى، فإذا كان المعلم الذي كاد أن يكون رسولا يلجأ لأخذ حقه بيده وعبر الضرب المبرح بحق طالب صغير بلا حول ولا قوة، فما بالك ببقية الطلاب؟!.
كذلك، فإننا نُركِّز في المملكة على ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان وسط أفراد المجتمع، وقامت الجهات المختصة بتضمينها في المقررات الدراسية، فإن الواجب يفرض على المعلمين، باعتبارهم رأس الرمح في العملية التربوية، أن يكونوا قدوة لغيرهم، وأن يسهموا في استكمال هذه الجهود.
أبناؤنا هم فلذت أكبادنا ومحط اهتمامنا، علينا أن نوليهم جل عنايتنا، ونحن مسؤولون عن ذلك أمام الله سبحانه وتعالى. كذلك فإن وزارة التعليم وبقية الأجهزة المختصة مطالبة بالتحرُّك بصورةٍ أكثر فعالية لفرض هيبة المعلمين وسط الطلاب، ومنع التجاوز بحقهم، وفي ذات الوقت لا بد من توفير الحماية للطلاب ومنع التعدي عليهم، والتشدد في فرض الالتزام بعدم اللجوء لوسائل العقاب البدني مهما كانت الظروف. إذ فعلنا ذلك نكون قد وفرنا بيئة تعليمية مواتية نتوقع أن تخرج لنا عناصر يمكن أن يقودوا هذه البلاد إلى شواطئ التطور والرفعة.