Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

الشّاعر من يَشْعرُ ويُشْعِر

سديم

A A
من الكلمات التي تُلاك ولا تفهم قول القائلين: إنّ الشعر (وجدان)، وإنّ الشاعر لا يتأمل ولا يفكر وإلاّ قيل في شعره أنّه كلام لا يوحيه الوجدان.

وحول ذلك الوصف، يتساءل صاحبنا العقاد: أيّ وجدان؟ إنّهم لا يسألون أنفسهم هذا السؤال وهو ألزم سؤال؟!

فالإنسان الهمجي له وجدان وله شعور؛ ولكنّ وجدانه كوجدان الحيوان، وشعوره لا يرتقي إلى طبقة التعبير الجميل أو غير الجميل، والإنسان الصوفي له وجدان وشعور؛ ولكنّه إذا عبّر عن وجدانه وشعوره دقّ تعبيره على عقول الكثيرين أو الأكثرين.

ومع اعتراف العقاد بتأثره بكتاب «الوسيلة الأدبيّة» لحسين المصرفي، إلاّ أنّه لا يَعْتدّ بتعريف المصرفي للشعر على أنّه «الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في عرضه ومقصده عما قبله والجاري على أساليب العرب المخصوصة».

وفي هذا السياق، نلحظ أنّ العقاد يقول: «أما الشاعر فاسمه بلغتنا يشير إلى تعريفه، ولعل معجمًا من معاجم اللغات لا يتضمن اسمًا للشاعر الأول على مسمّاه من اسمه في اللغة العربية، فمن هو الشاعر؟ أهو المقصد الذي لا يعجز عن ترصيع قصائده بما يبهر ويخلب من الخواطر البراقة والمعاني الخطابية المتلألئة؟ كلا؛ هذا شاعر يذكرني بصاحب ذوق مبهرج يريد أن يزين غرفته بالرسوم، وليس الشاعر من يزن التفاعيل ذلك ناظم أو غير ناثر، وليس الشاعر صاحب الكلام الفخم والفظ الجزل؛ إنّما الشّاعر من يَشْعرُ ويُشْعِر».

وبهذا؛ فإنّ الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وأن ليست مزيّة الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه؛ وإنّما مزيّته أن يقول ما هو، ويكشف لبابه وصلة الحياة به، والعرب تقول: إنما سمّي الشاعر شاعرًا لأنه يشعر بما لم يشعر به غيره، و»ليس الشّعر لغوًا تهذي به القرائح فتتلقاه العقول في كلالها وفتورها فلو أنّه كان كذلك لما كان له هذا الشأن بين الناس؛ إنّما الشعر حقيقة الحقائق ولبّ اللباب والجوهر الصميم من كل ما له ظاهر وباطن في تناول الحواس والعقول، وهو ترجمان النفس والناقل عن لسانها.. والشعر بهذه المثابة باب كبير من أبواب لسعادتها».

ويربط العقاد بين الشعر العربي والشعر الإنجليزي، حيث نراه يقول: «الشعر العربي يدور أكثره على الحس، والشعر الإنجليزي يدور أكثره على العاطفة والخيال، والشعر العربي يصف المرأة لها صفات جسدية من الفرع على القدم، وتقاس وتكال، أما العاشق الغربي فيصف المرأة التي يحبها كأنها روح عاطف له ثوب من الجسد الجميل، والشاعر العربي يشبه ما يصفه فإذا هو يعني بالصورة المحسوسة دون الصورة العاطفية ويريك الهلال منجلاً والقمر درهمًا والبستان طنافس ونمارق ولا يحكي لك وقع هذه الأشياء في النفس كما يحكي لك صورتها في الأحداق، ولولا ابن الرومي لخلا الشعر العربي من ملمة التصوير والتشبيهات الخالية الرفيعة».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store