في الحركة بركة بمشيئة الله.. وفيها الكثير من الجهد، سواء كانت على البر، أو في البحر، أو في الجو.. والتنقل الجوي يُمثِّل أكبر تحديات الحركة، لأن بيئته مشبَّعة بالتحديات، وأهمها مقاومة الجاذبية.. وعندما نُفكِّر في الطيران، نُفكِّر في الأجنحة.. وقد كتبتُ خلال الأسبوعين الماضيين عن جناح طائرة البوينج 747 الشهيرة باسم «الجامبو»، ثم جناح الحشرات، واليوم تركيزي سيكون على جناح الطيور.
وفي البداية لابد من التذكير بأن الطيور كائنات موفَّقة بإرادة الله في حركتها وتعاملها مع بيئتها.. وتصل تقديرات أعدادها حول العالم إلى حوالي نصف تريليون، علمًا بأن بعضها لا تطير.. وفي الواقع فأكثر الطيور المقربة إلى قلوبنا وبطوننا لا تطير، وعلى رأسها الدجاجة.. وتتميَّز الطيور بوجود الريش بأنواعه وأشكاله المختلفة - كما ذكرت مسبقا - سواء كان مكرسا للطيران، أو الدعم الإنشائي لجسم الطير، أو العزل الحراري. وأما أجنحة الطيور، فهي تُمثِّل إحدى روائع الإعجاز.. فضلاً لاحظ أن أحجامها صغيرة، كما سيتضح لك عند أكل الدجاج، ولكنها تبدو وكأنها كبيرة جداً بسبب تغطيتها بالريش.. وهناك المزيد من التفاصيل الرائعة وإليكم بعضها: كلما كان جسم الطائر أكبر حجمًا، كلما كانت تحديات الطيران أكبر، والسبب هو أنه يحتاج إلى أسطح طيران أكبر لحمل وزنه.. فزيادة الحجم تُسبِّب العناء الكبير في عالم الطيران، وهنا تتضح إحدى روائع خلق الريش، فهو يُوفِّر الأسطح الإضافية الكبيرة الملمومة.. والريش يتميَّز بسهولة تغيُّر خصائص الجناح حسب احتياج طيران الكائن للرفع، والمناورة، والتحكُّم، كما يُوفّر له خفة الوزن.. وعلى سيرة الوزن، نجد إحدى الروائع المذهلة في عظام الطيور، فهي مجوَّفة لتخفيف وزنها.. فضلاً أنظر في تركيبة عظام الدجاجة التي سـتأكلها قريباً، وستجد أنها مصمَّمة كالأنبوب المفرَّغ، وتحتوي على الدعائم الهيكلية بداخلها.. أضف إلى ذلك أن جناح الطير لابد أن يُوفِّر وظيفتي الرفع والدفع، أي مقاومة الجاذبية والسرعة معاً، وهما من التحديات الأساسية في عالم الطيران.
ومن العجائب أن جناح الطير هو يده، والتحكُّم في شكل الجناح يتم من خلال عدة حركات بالأصابع، ومنها تغيير شكل الريش لتطويع التيارات الهوائية، وعلى سبيل المثال، فإبهام بعض الطيور يتحكَّم في الريش المسؤول عن الطيران البطيء، الذي يتطلب المزيد من الأسطح الأمامية لتغيير شكل الجناح، وبعض الطيور -ومنها البوم على سبيل المثال- تتميَّز بأجنحة تمنحها بمشيئة الله الطيران الهادئ، لتتمتع بقدرات صيد متميِّزة، فلا تسمعها الضحية أثناء الانقضاض، ومن العجائب أيضا أن رفرفة الأجنحة صعبة جداً على الطيور الكبيرة، ولذا فتلجأ إلى الطيران الشراعي الذي يُقلِّص الرفرفة بقدر الإمكان.. تبحث تلك الطيور عن التيارات الهوائية الرافعة فوق سطح الماء، أو الدوامات الحرارية الهوائية التي تصعد عن الأرض الدافئة.. وأما رفرفة الأجنحة للطيور الصغيرة فهي أسهل، ولذا، نجدها منتشرة، علماً بأنها تصل إلى وتيرةٍ مذهلة تفوق الأربعين مرة في الثانية الواحدة للطير الطنَّان الصغير جداً على سبيل المثال.
* أمنيـــــــة:
سبحان الله أن عدد الروائع حولنا كل يوم مذهلة، ومنها جمال الطيران الطبيعي وتخصصاته المذهلة: من الأجنحة المصممة للسرعة، أو للتحليق الاقتصادي، أو الانقضاض، أو الغوص تحت الماء، أو التحوّم، وغيرها من الروائع. أتمنى أن لا نُفوّت التوقُّف للتأمُّل في تلك النعم، ففيها ما يستحق الإعجاب بما أهدانا الله، وهو من وراء القصد.