لا ينبغي للمرء أن يُدهش لو لاحظ زيادة إنفاق الحكومات والمستثمرين والشركات في القطاع الصحي والمنتجات الصحية، في أعقاب الثغرات التي تعرَّض لها العالم أمام فيروس كورونا، وملاحظة نقاط الضعف في النظام العالمي، وبالتالي فقد حان وقت التغيير.
فالعالم بعد أزمة كورونا لن يكون كما كان في السابق، سيكون هناك جهد ملموس في توفير الطاقة، وتخفيض كلفة المنتج، والحفاظ على صحة الإنسان عبر تقليل مدة بقائه في المصنع في حال تعرَّض العالم لأي وباء آخر لا قدّر الله، وسيستمر العمل دون توقف حتى لا يتم ضرب الاقتصاد مجدداً.
ومن الصور الجديدة التي أفرزتها مرحلة ما بعد كورونا هو تناقص إقبال رجال الأعمال على السفر في ظل توافر وسائل الاجتماعات عن بُعد.
الثقة في قطاع التكنولوجيا والدفع الإلكتروني ستُغيِّر من سلوكيات المستهلك، وقد لاحظنا الإقبال المتزايد على التجارة الإلكترونية أكثر من أي وقت مضى، فضلاً عن تحوُّل الحكومات إلى الخدمات الحكومية الإلكترونية، وهو ما لمسناه لدينا في المحاكم والجوازات وكتابات العدل وخدمات وزارة الداخلية المتنوعة، التي تجسَّدت في خدمة (أبشر) أو (توكلنا) للخدمات، وغيرها، وبالتالي لن تتأثر هذه الخدمات بأي أزمة، وستُواصل العمل عن بُعد، بما يُعزِّز ثقة المواطنين بحكوماتهم، لا سيما الدول التي اتخذت إجراءات صارمة للسيطرة على الوباء، كما حدث في بلادنا، التي أصبحت مضرباً للمثل. وقد رأينا تدخُّل البنك المركزي بضخ أموال في البنوك، والتطعيم المجاني لكل الفئات.
ومن الجوانب المشرقة أن الظروف الصعبة التي كان يمر بها المجتمع الدولي؛ جعلت العالم يقف صفاً واحداً، وظهرت العديد من المبادرات الإنسانية في المجتمعات، وتبرَّع العديد من أثرياء العالم والدول ذات الاقتصاد القوي بأموال ضخمة.
ولا ينبغي أن نتجاهل ما تم من تعطيل لعمل التعليم العام والتعليم العالي، حيث أصبحت الدراسة عن بُعد من المنازل، ووفقاً لمنظمة اليونسكو فإن المدارس التي تعطَّلت شملت 188 بلداً.
نعيش اليوم ومعظم الدول تتحدث عن انكماش اقتصادي وركود مرتقب، في الوقت الذي نشهد إعادة هيكلة النظام العالمي، واختلاف موازين القوى العالمية، ولا غرابة لو مالت الدفة نحو الصين ودول آسيا، وستبقى الدول الأخرى أكثر جرأة في النظر إلى مصالحها القومية وتبادل المنافع مع الدول الأخرى، وهذه إحدى ثمار إعادة هيكلة النظام العالمي الجديد.