لم يتمكن الغرب من الخروج بإدانة حاسمة لروسيا في حربها الأوكرانية، وذلك في قمة العشرين التي ترأستها الهند وعقدتها في دارها. الغرب يتودد إلى الهند بأساليب متعددة، إلا أنه لم يتمكن من إقناع الهند بالتخلي عن علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا، رغماً عن أن الصين منافس مزعج للهند على حدودها معه، وبسبب علاقته الودية الوثيقة بباكستان، الجارة الإسلامية. ولم يكن رئيس الوزراء الهندي سعيداً باستهداف صديقه الملياردير أداني من قبل مؤسسة صغيرة في نيويورك، وإيقاع السوق المالية الهندية بسبب ذلك في خسائر فاقت البليون دولار خلال فترة قصيرة.. ولوحظ أن الهند استغلت رئاستها لقمة العشرين لتأكيد عدة أمور تتعلق بسياستها الداخلية والخارجية، وعقدت عدة مؤتمرات وأجرت حوارات في أكثر من موقع ومنبر في أكثر من مدينة هندية، وهي بدأت بإضافة حوالى عشرين دولة إلى قمة العشرين، ودعت قادة هذه الدول لحضور فعاليات القمة. وعندما حان موعد بحث والموافقة على البيان الختامي، لم تتمكن الدول الغربية، نتيجة لممانعة الصين وروسيا بشكل رئيسي، من إدراج قضية الحرب الأوكرانية بالشكل الذي رغبت فيه.
حرب أوكرانيا لم تنجح حتى الآن في تغيير المعادلات الدولية، كما كان الغرب يدفع إليه عبر دعم أوكرانيا اللامحدود تقريباً. والهند، الفيل الكبير في ملعب عدم الانحياز الجديد، ترفض أن يعتبرها الغرب تحصيل حاصل، أي أنها سوف تصطف إلى جانب الدول الغربية في مواجهتها مع الصين؛ نتيجة للمنافسة والصراع القائمين فيما بين بكين ونيودلهي. وتقف موقفها جنوب إفريقيا والبرازيل، وعدد آخر من الدول ذات الثقل الاقتصادي العالمي. ولا يمكن القول إن الهند وغيرها من دول (عدم الانحياز) تحب الصين أو تعجب بنظامها. ولكن المشكلة هي في عجز الغرب، وخاصة أمريكا، عن كسب ثقة المجتمع الدولي، بالرغم من الإعجاب الذي تكنّه شعوب العالم للنموذج الأمريكي في الحكم والاقتصاد. وفي ظل الجو السياسي الداخلي الحالي داخل أمريكا فيما بين التطرف اليساري والتطرف اليميني، وعجز النموذج الأمريكي عن وقف التجاوزات التي تمارسها ثقافياً مثلاً في موضوع التحول الجنسي، والمساواة بين الجنسين، والألوان المتعددة لقوس قزح داخل المجتمع الأمريكي، فإن الثقة بأن أمريكا يمكن أن تسود في منافستها الاقتصادية مع الصين ليس مرجحة، بل تثار الشكوك، بينما يشتعل الجدل بين الرمز اليميني دونالد ترامب والرمز اليساري باراك أوباما ومن يقف حولهما من معتدلين ومتشددين؛ حول قوة النظام الأمريكي (داخلياً) وصموده، وهي أمور تجعل عدداً من الدول تراجع خياراتها في هذا الوضع الذي يشوبه الغموض، وتحيط به مخاطر مختلفة.
مراجعة الإستراتيجية تعود إلى أمريكا، فهي التي قررت أن تطرح أفكاراً جديدة، وتشجيع حرب قامت على بعد آلاف الكيلومترات من أراضيها. وعليها أولاً أن تقول للآخرين بوضوح ما الذي ترغب فيه. فالكُتَّاب والمحللون السياسيون الغربيون تحدَّثوا عن افتراضيات كبرى، ولكنهم لم يرجحوا افتراضاً على حساب آخر، بل تركوا لمن أراد التنبؤ أن يفعل ما يشاء. إلا أن الأمر يحتاج الآن إلى خطة أكثر وضوحاً، صحيح أن اجتياح جيش روسيا للأراضي الأوكرانية أمر مرفوض، إلا أن تشجيع نظام كييف على مواصلة الحرب بحجة القدرة على استعادة الأراضي الأوكرانية المحتلة، والتضحية بآلاف البشر في سبيل هدف يكاد أن يكون من المستحيل تحقيقه، ليس بالأمر المقبول أيضاً. لذا على الغرب أن يتوقف ويُحدِّد ما هو الهدف النهائي لكل ما يجري؟ هل هو قيام حرب نووية بكل ما تحمله من توقعات كارثية؟ أم أنه إقناع الآخرين بإقامة نظام عالمي جديد؟، فإذا كان الأمر الأخير، فمن الأفضل تحديد إطار هذا النظام المستهدف، ووضعه للنقاش من الآن والحد من الدماء التي تسيل.