لم يكن بالإمكان قبول دور أي دولة غربية في وضع ضمانات تنفيذ اتفاق يتم مع النظام القائم في إيران، إذ كانت، ولازالت، كل الدول الغربية في حالة نزاع مع طهران، لذا كانت الصين هي الدولة التي يقبل بها كل من المملكة العربية السعودية وإيران للوساطة وكفالة الإيرانيين في الالتزام بتعهداتهم. وربما كانت الوساطة الصينية مدخلاً للصين لتواجد من نوع مختلف في الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط، إذ أن الصين عميل اقتصادي مهم لمنطقة الخليج العربي، وتتعامل مع دول المنطقة على أساس اقتصادي منذ فترة ليست بالقصيرة، حتى أن اتفاقياتها العسكرية التي تمت مؤخراً مع دول المنطقة اعتبرت أنها لدعم سلسلة الإمدادات للتجارة فيما بين دول المنطقة والصين. وهي، حتى الآن بعيدة عن الاضطرابات العسكرية التي تجري بين الحين والآخر في المنطقة. وتميزت تحركاتها بالحذر والتأنِّي.
وتواجدها بهذا الشكل ليست إحلالاً لتواجد أمريكي أو أوروبي، حيث لا يوجد تواجد من هذا النوع في وساطة مع إيران. وبالغ الإعلام الغربي في التحدث عن توجه إستراتيجي جديد للسعودية لإحلال الصين محل أمريكا في موقع هم يتخيلونه وليس حقيقياً. وتُشكِّك وسائل الإعلام الغربية وعدد من السياسيين هناك في قدرة أو نية طهران الالتزام بتنفيذ تعهداتها. وهذا أمر أخذه الموقّعون على اتفاق بكين الخاص بالسعودية وإيران بعين الاعتبار، وأعطوا لأنفسهم فسحة شهرين يتم خلالها تنفيذ ما يؤكد الالتزام ببنود الاتفاق المعلنة وغير المعلنة.
الإشكال الذي سيُواجهه تنفيذ الاتفاق، أن إيران سعت إلى تصدير مشاكلها وخلافاتها مع جيرانها إلى دول أخرى، ومنها اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وأصبح وكلاؤها في هذه البلاد شركاء معها، وعليها العودة إلى الحد من تصرفاتهم التي تتعارض مع روح وبنود الاتفاق السعودي - الإيراني - الصيني. وقد يستغرق هذا الأمر بعض الوقت، إلا أن النية في العمل به ستكون واضحة خلال الأيام القليلة القادمة. ولا يستبعد أن يقوم الرافضون لأي تقارب فيما بين السعودية وإيران إلى تخريب تنفيذ الاتفاق بشكلٍ أو آخر.
وسيكون على راعي الاتفاق (الصين) معالجة هذا الأمر بسرعة ودقة وحسم مع الطرف الذي يسعى إلى إفساد الاتفاق، وذلك بالتعاون مع مَن كفلهم لتنفيذ سليم لما اتفق عليه.
وتبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية، وما تُمثِّله من تطرف يميني يثير القلق، غير مرتاحة للاتفاق، وقد تسعى أطراف فيها أو من خارجها إلى تعطيل تنفيذ بنود الاتفاق.
إذ كان الإسرائيليون يشيرون إلى إيران بأنها (البعبع أو العفريت) الذي يتم التخويف به وطموحاته النووية على سلامة وأمن منطقة الشرق الأوسط. وهي ترى أن قبول طهران بهذا الاتفاق مع الرياض إنما يدل على رغبة ملالي إيران التحايل على السعودية لكسب وقت يمكنهم من الوصول إلى قنبلتهم النووية المنشودة، ويبعد عنهم خطر أي عمل عسكري يقوم به الإسرائيليون بالتعاون مع الدول العربية. وهذه الرؤية الإسرائيلية عاجزة عن تصور القدرات الدبلوماسية السعودية التي قامت خلال سنوات الحوار المباشر وغير المباشر مع طهران من تقدير مخاطر أو محاسن اتفاق؛ مثل الذي وقع في بكين مع إيران برعاية صينية.
من المفترض أن طهران تسعى الآن إلى تحقيق إصلاح اقتصادي يُعيد البلاد إلى وضع طبيعي بين دول المنطقة. وهي وقعت الآن اتفاقا مع أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط (السعودية تتمتع بأعلى ناتج محلي إجمالي بلغ العام الماضي حسب أرقام البنك الدولي حوالى التريليون دولار، وهو أعلى رقم بين دول المنطقة)، وأن يكون هذا الاتفاق خطوة إيرانية أولى باتجاه إصلاح اقتصادها، مع إصلاح سياساتها الداخلية والخارجية، وأن تلي خطوتها هذه؛ التوصل إلى اتفاق مع أمريكا، وباقي مجموعة الدول العاملة على اتفاقية نووي إيران المتوقع لقاءها في فيينا قريباً. ويمكن لطهران أن تستفيد من برامج النهضة الاقتصادية القائمة في السعودية، وتشارك معها ومع دول خليجية أخرى في نقل بعضاً من النجاح الاقتصادي هذا إلى بلادها، التي عانت طويلاً من تردِّي في الوضع الاقتصادي الإيراني.