تحتفل بلادنا بيوم المسؤولية الاجتماعية يوم 23 مارس من كل سنة؛ إذ صدرت الموافقة على تحديد يوم ذلك اليوم ليكون يومًا للمسؤولية الاجتماعية، وبهذه المناسبة سأتحدّث في هذا المقال عن المسؤولية الاجتماعية في رؤية 2030. إنّ المسؤولية الاجتماعية واجب وطني وإنساني في آن واحد؛ لذا كانت من أسس رؤية مملكة الإنسانية التي تسعى إلى تفعيلها في جميع قطاعات الدولة الربحية وغير الربحية والخيرية، بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتوفير نوع من العدالة وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص، وتحسين جودة الحياة مع ازدياد وعي الأفراد للوصول إلى التنمية، وأهمية الاندماج بين مختلف المؤسسات والفئات داخل المجتمع الواحد لتحقيق المصالح ذاتها، وتحقيق التوازن بين التكوين البيولوجي للإنسان والتكوين الاجتماعي؛ بهدف تحقيق التنمية المستدامة عن طريق استغلال الموارد والثروات الموجودة بفاعلية وكفاءة من خلال تحقيق المواطنة المسؤولة، والحكومة الفاعلة، وخلق بيئة تنافسية مع توفير فرص مثمرة للمواطنين. وتأتي الجامعات في طليعة المؤسسات التي تقوم بدور ريادي تجاه المجتمع، منطلقة من رسالتها وأهدافها وتأثيرها الفاعل في المجتمع، فأصبحت تحتضن أجهزة وكيانات تنظيمية رائدة لإدارة وتفعيل المسؤولية الاجتماعية فيها، وتطوير برامجها والارتقاء بها لكي تؤدي المطلوب منها تجاه المجتمع. وفي ظل رؤية 2030 حدثت نقلة نوعية لمفهوم المسؤولية الاجتماعية في الجامعات، لترتقي لمقام الرؤية الثاقبة، وما تتضمنه من خطط وبرامج ومرئيات وأهداف كبيرة لنقل الوطن إلى آفاق أرحب من الازدهار الاقتصادي على مختلف المستويات، وتجلى هذا في انتهاج الجانب العلمي والمنهجي الذي يخدم المجتمع ويتفق مع احتياجاته، وذلك من خلال تطوير الدراسات والبحوث وتمويلها وتبنيها، والاهتمام بقضايا البيئة وخدمتها وحمايتها والحفاظ عليها، والاهتمام بمخرجات التعليم وتوجيهها نحو خدمة المجتمع وتلبية متطلبات التنمية المستدامة، وتحفيز الخريجين وتبني مشاريع التخرج وتحويلها إلى مشاريع تنموية نافعة للمجتمع، كذلك الاهتمام بالفئات ذات القدرات الخاصة لاسيما المعاقين، وتصميم برامج وخدمات وأنشطة خاصة بهم لأجل استثمار جهودهم وأفكارهم فيما ينفع المجتمع، وتطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية لديها طبقاً لتطور وسائل وبرامج التعليم وإيجاد بيئة عمل جاذبة تسهم في تكريس مفاهيم ومعاني وأهداف المسؤولية الاجتماعية بين أفراد المجتمع الجامعي ومحيطه، وتطمح الجامعات إلى إدراج المسؤولية الاجتماعية في هيكلة الجامعات، بحيث تكون في صلب الهيكل الإداري والتنظيمي للجامعة، وهذا يزيد الاهتمام بها والارتقاء بأدائها. وبما أنّ أساتذة الجامعات من أهم فئات المجتمع المعنية بتحقيق التنمية العلمية كهدف من أهداف الرؤية، فقد حرصوا على ربط الجانب العلمي باحتياجات المجتمع، مما يدل على إحساسهم بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وتجاه التنمية العلمية، وحرصوا أيضًا على ربط الجانب العلمي باحتياجات المجتمع. كما نجد مؤسسات المجتمع المدني على اختلافها كانت مدركة لأهمية المسؤولية الاجتماعية لتحقيق التنمية المستدامة، ونلمس هذا بوضوح في مختلف ما تمارسه من أنشطة، وما حقّقته وتحققه من إنجازات متمثلة في اهتمام المنظمات الوقفية والخيرية في إنشاء المراكز الصحية والمستشفيات، ودور الرعاية الاجتماعية وتزويج المحتاجين من الفتيان والفتيات، وإنشاء مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم للمشاركة في بناء المجتمع، الأمر الذي يجعل للوقف فضل كبير وتأثير حميد في بناء حضارة مجتمعاتنا، وأن تركز على أساليب التكافل الاجتماعي وأخلاقيات العمل التجاري والتنموي لتحقيق جهود مسؤولة تجاه مختلف أصحاب المصالح. هذا وقد أوصى ملتقى «المسؤولية الاجتماعية 2023» الذي نظمته جمعية المسؤولية المجتمعية على مدار يومين في ختام أعماله بوضع إستراتيجية وطنية لدور شركات ومؤسسات القطاع الخاص أثناء الأزمات، وتبني حوافز للقطاع الخاص لتفعيل دوره في برامج المسؤولية الاجتماعية. كما أوصى بإعداد نموذج للشراكات لتجسير العلاقة بين القطاع الخاص والقطاع غير الربحي، وتحديد أدوار الإعلام في تعزيز مفهوم وثقافة المسؤولية الاجتماعية وفق الاستراتيجية الوطنية، والاستفادة من التجارب الوطنية الناجحة للشركات كنموذج للشركات الناشئة، ودعا الشركات والقطاع غير الربحي للانضمام لمنصة المسؤولية المجتمعية لتحسين الممارسة وقياس الأثر. وأوضح رئيس مجلس إدارة جمعية المسؤولية المجتمعية الأستاذ سعود السبيعي أنّ الملتقى شهد تنوع في التخصصات والخبرات، مما ساعد على خلق شراكات وبرامج مسؤولية اجتماعية قوية تسهم في نهضة الوطن تحقيقًا لرؤية المملكة 2030، مشيرًا إلى أنّ الجمعية هدفت من خلال الملتقى إلى طرح الفكر الذي تتبناه الشركات والجهات في المسؤولية الاجتماعية وتبنيها. من جانبه أكد الرئيس التنفيذي لجمعية المسؤولية الاجتماعية الأستاذ عبدالله بن سليمان المهنا أنّ هذا الملتقى أول ملتقى متخصص لتسليط الضوء على تجارب القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية في أعمال المسؤولية المجتمعية والتي تعد محور اهتمام القيادة الرشيدة وأحد مستهدفات رؤية 2030. كما لا نغفل دور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في مراعاة تطبيق جميع مؤسسات المجتمع حكومية كانت أو قطاع خاص لجميع الأنظمة والقوانين التي تحفظ حقوق الإنسان، مع إيصال أصوات المواطنين للمسؤولين لتلبية احتياجاتهم ومنحهم حقوقهم.