كتبْتُ هذا المقال بعد فراغي من أداء صلاة الفجر ليوم السبت الموافق ١٠ رمضان ١٤٤٤هـ، في مسجد الحيّ الذي أسكنه بجدّة، وقد قرأ الإمام سورة الشمس وفيها هذه الآية التي تُحفِّزُ الكاتب الشغوف على النظر والاستطلاع في مرآة التاريخ القديم: (إِذِ انْبَعثَ أَشْقَاهَا)، فمن هو هذا المخلوق الأشقى؟ وأعوذ بالله أن يمسّني وإيّاكم أيّ شقاء في الدُنيا والآخرة.
وبادئ ذي بدء، فإنّ الويل والثبور والهلاك لمن يصفه الله بـ(الشقيّ)، فما بالُهُ إن وَصَفَهُ بـ(الأشقى)؟ أي الأكثر شقاءً بما في الشقاء من تعاسة لا مُتناهية؟.
والأشقى المقصود هو قُدار بن سالِف الذي تزعّم تنظيماً مُكوّناً من تسعة أشخاص في ثمود في زمن النبيّ صالح عليه السلام قبل آلاف السنين، ووصف الله هذا التنظيم بقوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُون)، وقال عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما أنّ أسماء أعضاء التنظيم هي: دعمي، ودعيم، وهرما، وهريم، وداب،
وصواب، ورياب، ومسطع، وقُدار بن سالف الذي تزعّمهم وعقر الناقة التي أخرجها الله لثمود آيةً عجيبةً من جوف صخرة ما زالت موجودة ومعروفة لأهل منطقة العُلا المجاورة لموقع ثمود، ورأيتُ أنا الصخرة بنفسي، والله أعلم إن كانت هي أم من خيالات القُدماء.
وكان مع الناقة جنينها في بطنها ثمّ وضعته فصيلاً حال خروجها، تماماً حسب ما طلبت ثمود من آية، مقابل عهودٍ منهم بأن يُؤمِنُوا بالله ويصدِّقوا بنبوّة صالح عليه السلام،
فعاهدوه لكنّهم نقضوا العهود، وتآمروا على عقْر الناقة الآية وقتل النبيّ المبعوث معاً، وأوكلوا مهمّة هذا الفساد الخبيث لقُدار وتنظيمه.
وفي ليلة مشؤومة توجّهوا حيث الناقة وتعاطى قُدار السيف والخمر وعقرها هي وفصيلَها المولود منها، لينزل عليهم العذاب بعد ثلاثة أيام اصفرّت وجوههم في اليوم الأول، واحمرّت في اليوم الثاني، واسودّت في اليوم الثالث، ثمّ حلّت عليهم صيحة ملائكية رهيبة من السماء ورجفة زلزالية عظيمة ليُصبحوا جثامين مُتعفّنة ومُعذّبة.
تلك هي قصّة الفاسد الأشقى: قُدار بن سالف.