لو تأملت في معظم المدن التاريخية المهمة: جدة، ولندن، ونيويورك، وهونج كونج، وأمستردام، وكانتون، وطوكيو، ستجد أنها موانئ... تقع على بحيرات، أو أنهار، أو بحار، أو محيطات.. ولم يكن دورها مقتصرًا على استقبال وتجهيز وترحيل السفن فحسب، بل كان أكثر من ذلك بكثير.. وقد تم تجهيز تلك المدن لتصبح مراكز تصنيع، وتبادلات تجارية متخصصة، فأصبحت من أهم أقطاب التجارة الإقليمية، والوطنية، والعالمية.. ومنذ بداية عصر النقل الجوي التجاري في النصف الأول من القرن العشرين، أصبحت المطارات «موانئ جوية» علمًا بأن دورها لا يقتصر على استقبال وتجهيز وترحيل الطائرات.. ويتم تصنيف منافع المطارات الاقتصادية بأنها مباشرة وغير مباشرة، وناجمة عن نشاط الطيران بشكل أو آخر.. كلها مهمة، وكلها ضخمة.. وفي معظم الأحيان لا تدرك أهميتها الحقيقية لأن القطاع الجوي يحتوي على سلاسل إمدادات معقدة وضخمة جدًا، وهي أقرب إلى «الشبكات» من السلاسل.
واليوم يفوق عدد المطارات حول العالم الأربعين ألفًا، أكثر من ربعها في الولايات المتحدة، وأما المطارات التجارية الدولية فهي تقدر بحوالى ألف ومئتي مطار فقط، وبفضل الله معظمها في حالة التعافي من آثار وباء الكورونا الذي تسبب في أكبر الأضرار التاريخية الحديثة في قطاع الطيران بالذات.. وتوجد قياسات كثيرة لتصنيف المطارات ومنها مساحة أرض المطار.. ومطار الملك فهد الدولي هو الأول، بمساحة تفوق السبعمائة كيلو متر مربع.. أكبر من مساحة مدينة القدس الكبرى.. وهذا المعيار يعكس إمكانيات المطار على التوسع مستقبلاً، ويعكس أيضًا إمكانيات الاستثمارات في المنافع العمرانية التي يُطلق عليها اسم «مدن المطارات».. والمعيار الأهم لقياس أهمية المطارات هو عدد الركاب، لأن نقل الإنسان جواً؛ هو جوهر أهمية تلك المنشآت، وهنا نجد أن الأول عالميا هو مطار «هارتزفلد» في أتلانتا بالولايات المتحدة، الذي يخدم أكثر من 75 مليون مسافر سنوياً، حسب إحصائية عام 2021، وللعلم، فتلك المدينة ليست الأكبر في أمريكا.
والمطار الأقرب إلى قلبي شخصيا في العالم، هو مطار مكة الذي لم يُنشَأ بعد.. طرحت هذه الفكرة عام 1990 عندما كنتُ أستاذا مساعدا في كلية الهندسة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ثم نشرتُ ورقة علمية عن تلك الفكرة مع الأخ د. حاتم مرداد عام 2000 في نفس الكلية، ثم طرحت الفكرة مع الأخ د.صدقه فاضل في مجلس الشورى عام 2010، وأتمنى أن أرى المطار في القريب العاجل، لأن الفكرة أثبتت جدواها ولله الحمد.. وأما المطار الذي يثير في نفسي الحزن فهو مطار «بن جوريون»، في الكيان الصهيوني.. حيث يقع بين القدس الشريف وتل أبيب، ويخدم حوالي عشرين مليون راكب سنويًا، وكان قبل تأسيس الكيان يُسمَّى مطار «اللد»، نسبة إلى إحدى أقدم مدن فلسطين، حيث أنه شيد على أرضها.. وتم تغيير الاسم عام 1973 تخليدا لذكرى أول رئيس وزراء للكيان.. وأحد مصادر الحزن هنا هو أن أرض المطار بأكملها يملكها أهل فلسطين، كما هو الحال لكافة الأراضي المحتلة، وهناك المزيد.. ففي الخامس من رمضان 1367 ارتكبت إحدى الجرائم على تلك الأرض في عملية «داني»، حيث قامت قوات «البالماخ» الصهيونية بدك مسجد «دهمش»، والكنيسة التي اتخذها المدنيون كملجأ أثناء المعارك بين القوات العربية والصهيونية.. ويقدر عدد شهداء المدنيين في تلك المذبحة بأكثر من أربعمائة فلسطيني.
* أمنيــتان:
المطارات هي من أكثر الأماكن المشحونة بالعواطف، ففيها الاستقبال والفراق، وفيها القصص المهمة أيضًا.. أتمنى أن نرى مطار مكة قريباً، وأتمنى أيضاً أن يعرف العالم خلفية مطار «بن جوريون».. والله يشهد على ما أقول، وهو من وراء القصد.