أثار مقتل بن لادن كل المسكوت عنه ـ هذه الأيام ـ في خفايا تنظيم القاعدة ؛ هذا التنظيم الذي انتهج العنف كوسيلة لإيصال فكره المنغلق على ذاته ، والمُتكئ على ترسيخ التبعية العمياء لأتباعه دون السماح لهم بفهم ما وراء ما يُؤتمرون بتنفيذه ، الأمر الذي أسس لمرحلة تسيِّدت فيها الوصاية على كل قدات المنتمين لهذا التنظيم ، وقولبتها في مسار مُحدد لا يحيد عنه إلا هالك ؛ جراء التعامل القاسي لرموزه معهم ، والزاوية الضيقة التي ينظرون منها للأمور مهما كان حجمها ومقدار أهميتها. إن تسييس الدين الذي بنى تنظيم القاعدة منهجه عليه أفرز لنا فئة من الشباب تأبطوا شعارات مُفرَغة ، ومُجوفة كخواء العقول التي يحملونها ، نتيجة لتسليم أنفسهم طواعية لأرباب هذا الفكر الذي رمى بهم في مسالك الإرهاب ، وتركهم يدفعون ثمن انجرافهم لهذا التنظيم الذي اثبتت الشواهد أن الداخل فيه مفقود ، أما العائد منه فإنه لا يلبث إلا أن يعود إليه مرة أخرى ، بناءً على انتقائهم للمرحلة العمرية التي يستهدفونها لتنفيذ أجندتهم ، والمُرتكزة على صغار السن ، لكي يتمكنوا من تشكيل شخصياتهم وفق الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها. لقد تمخض عن الحراك المتنامي لتنظيم القاعدة سقوط أقنعته السوداء التي رفعوا من خلالها راية الجهاد بفهم قاصر لهذه الشعيرة الإسلامية الكبيرة التي من أُولى شروطها استئذان ولي الأمر في القيام بها ، واستبدلوها بتفجير أنفسهم مستهدفين بها قتل الأبرياء ـ مسلمين ومعاهدين ـ متناسين في غفلة مقيتة أن النفس البشرية مُحرَّم الاعتداء عليها حتى من حاملها ، بعد أن تعطلت لدى أتباعه لغة الإقناع ، وأصيبت قنوات الحوار لديهم بالشلل ، وأوصدت الأبواب في وجه من يحاورهم ؛ مُقررين حقيقة يكتنفها القصور مفادها أنهم على حق ، وأن المجتمع كله على خطأ ، مما أدى إلى مزيد من الانكفاء على الذات ، والانقطاع عن مشارب الفكر المتجدد الذي يحاول زرع القيم الإنسانية ، واجتثاث قيم العنف ومصادرة الحريات. إن التاريخ المُدمِّر لتنظيم القاعدة الذي امتطى صهوة الدين ستاراً لممارسة نزعاته العدوانية تجاه كل ما هو جميل في الحياة متجاهلاً المنهج الرباني في الدعوة إلى الله والمنصوص عليها في قوله تعالى : « ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة « انعكس سلباً على نظرة غير المسلمين لذات الإسلام ؛ فمنطقهم يقول : إذا كان أبناء المسلمين يتعاطون العنف كوسيلة للوصول إلى مبتغاهم ؛ فحتماً مُحفزُّهم في ذلك دينهم الذي يؤمنون به ، وهذا ـ لعمري ـ ما الإسلام برئٌ منه ، فالإسلام منهج حياة يتسم بالشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان ، وليس طقوسا كهنوتية تُمارس في مرتفعات تورا بورا.استشراف: قُتل ابن لادن ـ زعيم التنظيم ـ وبقيت ـ أفكاره ـ وبين الموت والبقاء تتحدد ملامح المرحلة المستقبلية إما بالتفعيل أو الوأد ، وأتمنى الثانية آملاً أن تلحق الأولى بصاحبها إلى غير رجعة.
تنظيم القاعدة .. قبل وبعد .. مقتل زعيمه
تاريخ النشر: 08 مايو 2011 07:13 KSA
أثار مقتل بن لادن كل المسكوت عنه ـ هذه الأيام ـ في خفايا تنظيم القاعدة ؛ هذا التنظيم الذي انتهج العنف كوسيلة لإيصال فكره المنغلق على ذاته ، والمُتكئ على ترسيخ التبعية العمياء لأتباعه دون السماح لهم
A A