زُرْتُ محافظة بدر عدداً كثيراً من المرّات، وأتذكّرها كلّما حلّ تاريخ السابع عشر من شهر رمضان، وأصبح هذا التاريخ الذي وافق يوم السبت المُنصرم رابطاً ذهنياً إيجابياً بالنسبة لي، أستحضر معه قصّة أولى معارك الإسلام ضدّ غطرسة الشِرْك والكُفر وعبادة الأوثان.
يقول الشاعر العربي عبدالحميد عمران:
هَلْ سَاءَلُوا الشَّرْقَ عَنْ بَدْرٍ وَمَا صَنَعَتْعَــزَائِمُ الْجُــنْـدِ فِي الْهَــيْـجَــا بـوَادِيـــنَانعم لقد صنعت عزائمُ جُنْدُ الله، سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، مع ثُلّة من ملائكة الله، وكتيبة صغيرة من الصحابة رضوان الله عليهم، ملحمة إسلامية مكّنت لتوحيد الله في أرضه بعد أن مُلئَت شِرْكاً وكُفْراً وجُورًا.
وفي بدر معالم كثيرة تستحقّ السياحة الدينية فيها من ملايين المسلمين بل وحتّى غير المُسلمين، مثل مسجد العريش الذي يُقال إنّ موقعه كان مركز قيادة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أثناء المعركة، ومثل مقبرة الشهداء التي تضمّ شهداء معركة بدر، والعُدوة الدنيا التي هي مكان قدوم المسلمين من المدينة المنوّرة، والعُدوة القُصوى وهي مكان قدوم المشركين من مكّة المكرّمة، وجبل الملائكة الذي هبطت عليه الملائكة لنُصرة المسلمين، فأبصرهم إبليس اللعين ففرّ من أرض المعركة وله ضُراط قائلاً: إنّه يخاف من الله ربّ العالمين، بعد أن أغوى قُريش وأزّها لتخرج لبدر بطراً ورئاء النّاس، فضلاً عن بئر القليب الذي رُميَ فيه صناديد قُريش وعلى رأسهم أبو جهل، وغير ذلك من الآثار التي يعرفها المُختصُّون وأهل المحافظة المُتجذّرين في العَيْش فيها آمنين مُطمئنّين.
وما تحتاجه بدر هو إشهار عالمي حديث بما حصل فيها قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وأسّس لانطلاقة عُظمى للإسلام حتّى غدا حالياً أكثر الأديان انتشاراً حول العالم، ويتسنّى هذا الإشهار بإقامة متاحف وبانوراما في بدر نفسها، تحكي بالصوت والصورة هذا التاريخ المجيد، ممّا أقامت مثله دول أخرى لمعارك هي أقلّ قيمة من قيمة معركة بدر، مثل بانوراما ١٤٥٣ في اسطنبول الذي يحكي قصّة فتح القسطنطينية، وفي هذا مواكبة للانفتاح السياحي الذي تشهده البلاد، وجذب لملايين السُيّاح، ورافد آخر للاقتصاد الوطني لا تنتعش به المحافظة فحسْب بل المملكة ككلّ.
يقول نفس الشاعر عن بدرٍ مرّة أخرى:
إِنْ كَانَ فِي الخَلْقِ سَبَّاقُونَ قَدْ عُرِفُوا
فَإِنَّـمَــا السَّــبْـقُ نَبْــتٌ مِنْ أَيَـادِيــــنَا.