لقد كان لإطلاق التأشيرة الإلكترونية في المملكة أثراً كبيراً في زيادة أعداد المعتمرين، حيث تسمح للعابرين والقادمين للسياحة أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، بالإضافة إلى التنقل في أرجاء المملكة، وحضور الفعاليات الموسمية. وهذه إحدى مستهدفات رؤية 2030م؛ من حيث الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمملكة كمحور ربط بين القارات. وما على الزائر إلا التقدم بطلب التأشيرة عبر المنصات الإلكترونية التابعة للخطوط السعودية وطيران ناس، وتحريرها آلياً إلى منصة التأشيرات في وزارة الخارجية، التي تصدر التأشيرة الرقمية وترسل للمستفيد عبر بريده الإلكتروني، بعد حجزه تذكرة السفر.
وقد وصلت أعداد المعتمرين حتى نهاية رجب - حسب واس - إلى (٤،٢٨٥،١٥١ معتمر وزائر) ويتوقع زيادة الأعداد في شهر رمضان المبارك إلى أكثر من ٧ ملايين معتمر.
ومع كل هذه الزيادة في الأعداد، يُدهش المرء من كمية ونوعية الخدمات المقدمة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وما سخرته الدولة من إجراءات تنظيمية لم يكن يتخيل وجودها في إدارة الحشود والدخول بانتظام من مواقف السيارات أو محطة قطار الحرمين إلى الساحات؛ وقد يسَّر الله لي العمرة الأسبوع الماضي من خلال الحجز الإلكتروني عبر منصة (نسك). ولدخول الحشود يتم تخصص مسارات وأماكن للمصلين، ومسارات خاصة للمعتمرين للدخول للكعبة.
لقد أخذت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف برئاسة معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس على عاتقها خدمة المسلمين، وبذل أقصى الجهود، متخذين من قائد المسيرة الذي لقَّب نفسه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله- القدوة في الإخلاص والأمانة لخدمة المسلمين، فكان من أهم نشاطات الرئاسة (أنسنة الحرم المكي الشريف)؛ لتحقيق معاني الإنسانية، وهي رسالة الإسلام الخالدة، وتحقيق الكثير من المنجزات بالاهتمام بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وتوفير العربات الكهربائية واليدوية ووضعها في المداخل للطواف وعند المسعى، وخاصة في الأدوار العلوية.
بل خصصت للنساء أماكن ومصليات كبيرة، فضلاً عن السماح لهن بالصلاة في صحن المطاف وقت الصلوات المكتوبة؛ بعد توجيه كريم من مجلس الشورى بتخصيص أماكن للنساء مساوية لأماكن الرجال، مما يدل على تقدير المرأة والاهتمام بها.
وأما النظافة في المسجد الحرام، فحدث ولا حرج؛ وخاصة في المطاف بعد تناول الإفطار؛ ففي دقائق معدودة يتم النظافة بأفضل أنواع المنظفات والمعقمات، وكوادر بشرية مؤهلة، وآليات كهربائية تجوب المسجد الحرام في حربٍ ضروس لتحقيق النظافة، وسلامة قاصدي المسجد الحرام؛ وهذا يتم 10 مرات في اليوم يقوم عليها أكثر من 4000 عامل، واستخدام 130,000 لتر من المطهرات، و2500 لتر من المعطرات، بل تتسلل إلى أنفك نفحات من عطر العود والبخور، فتترك انتعاشا وأثراً لا ينسى عند القاصدين.
فإذا أضفنا إلى ذلك أنظمة الصوت والتكييف، والتي توفر أقصى درجة الخشوع في الصلاة والاستماع للمؤذنين والقراء بصوتٍ واضح ودون تداخل أو صدى، حتماً يشرف على ذلك خبراء في الصوت؛ والتي تصل حتى للتوسعة الثالثة، وهي توسعة الملك عبدالله - رحمه الله -، وتعتبر بحق تحفة معمارية لما بها من النقوش الإسلامية والثريات المذهّبة.. بالإضافة إلى توفير أنظمة إنذار الحريق ونظام كاميرات المراقبة.
بل إن كرم الضيافة لأهل مكة يبدو واضحاً للمعتمرين من خلال الجنود المجندة من المتطوعين والمشرفين على إفطار صائم من الجمعيات الخيرية المتخصصة لهذا الغرض، بإشراف من إمارة منطقة مكة المكرمة، ممثلة بلجنة السقاية والرفادة بالتنسيق مع الرئاسة العامة للمسجد الحرام.
وأما خدمات النقل، فوصلت إلى مستويات قياسية، حيث لا يتخيل المرء في هذه البقعة المحدودة المساحة، خروج ودخول مئات الآلاف في انسيابية وبدون حوادث، ففي نفق باب الملك عبدالعزيز، ونفق باب الملك فهد، يرسو أسطول ضخم من الحافلات لنقل المصلين مجاناً إلى الأحياء القريبة في العزيزية، ومحبس الجن، والشرائع.. وغيرها من الأحياء.
هذا بالإضافة إلى حافلات النقل العام التي بُدأ بتشغيلها من العام الماضي، والتي تؤدي دوراً هاماً في النقل.. ولكن ما نتمناها أن تكون بشكل أكثر تنظيماً، وخاصة في مسجد التنعيم، وتلافي الزحام ووقوف المعتمرين لأكثر من ساعة، وكذلك عند الركوب للعودة بعد انتهاء العمرة، ولابد من أن تتحمل الجهة المسؤولة التنظيم بصورة أفضل.
أسطورة الخدمات في المسجد الحرام لا تنتهي، وقصتها تقوم على خطة تشغيلية دقيقة، وتطبيق للجودة والحوكمة لضبط المؤشرات وقياس الأداء، للتيسير على قاصدي المسجد الحرام، وتبقى قصة زيارة البيت حدثاً لا ينسى.