أطلت علينا قناة الـ MBC في رمضان هذا العام ببرامج ثقافية وتعليمية واجتماعية قيمة، ومنها على سبيل المثال (حكاية وعد)، والذي خرجت فيه من التقليدية والنسخ من برامج غربية وشرقية إلى أصالة الفكرة والهدف؛ فلم يكن البرنامج سوى رصد وتوثيق لرحلة الرؤية، التي أعتقد الكثيرون أنها مجرد حلم، ولكنها أصبحت حقيقة في واقعنا، وهي وعد من سمو الأمير محمد بن سلمان للوطن وأبنائه.
ومن أجمل ما في البرنامج، أن أبطاله هم قادة التغيير من الوزراء والرؤساء التنفيذيين للمشاريع الاستراتيجية، وكانوا في قمة الشفافية فيما يُقدَّم للوطن من جهود، وخاصة جهود سموّه، حيث أعطى البرنامج الشيء الكثير عن شخصيته الإدارية من خلال قصص وأحداث عن أسلوبه في العمل، فهو يمتلك فنون القيادة، وأساليب العمل الجماعي، وإدارة فريق العمل، والاجتماعات، والتحفظ على الرأي وعدم معارضته، بل إعطاء أي فرد الفرصة للمناقشة وإبداء الرأي، والاستماع لوجهات النظر الأخرى قبل أن يقول رأيه. ولكنه في كل المشاريع يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى.
بل لم يكن الإنجاز هو الهدف، بل الإبداع، فلا تقليدية لأي مشروع في أي مدينة من مدن المملكة، ولا نسخ لأي مشروع، ولكنها مشاريع متفردة تتلاءم مع البيئة، وهوية المجتمع، وعلى سبيل المثال، في (الحلقة 3) عن تخطيط المشاريع، تحدث الأستاذ فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض، عن مشروع السودة بعسير، وكيف جاء المصممون بأفكار مقتبسة عالمياً، ولكن سموه لم يقبل تلك التصاميم لكونها لا تتناسب مع الطراز العمراني التراثي العسيري، وأن ثقافة أهل عسير يجب أن تكون سائدة في المشاريع الجديدة في المنطقة، لتكون متفردة وجاذبة. وهذا المبدأ طُبِّق على جميع المشاريع في المملكة.
حتماً المشاريع واجهت الكثير من التحديات والصعوبات، ويتم إعادة المخططات عدة مرات، حتى تصل للدرجة المطلوبة من الفن الإبداعي، وما تقدمه للإنسان والسياحة؛ حيث يتم استخدام أفضل المهندسين المعماريين في العالم، فطموح سموّه لم يكن للقبول بأي مخطط إن لم يكن إبداعياً ومتفرداً وملائماً لثقافة الوطن وتراثه.
والنقاشات المنفتحة والشفافة والعصف الذهني؛ أسفرت جميعها عن مشاريع تخدم الرؤية، كمشروعات البحر الأحمر للحفاظ على البيئة، واستغلال الفرص، للوقوف على أهم شريان مائي عالمي يمر به ملايين السياح دون الاستفادة منه، فظهرت مشروعات صناعة وإنتاج الكروز، والاستزراع السمكي وأمالا، وسندالا.
وأما المحاسبية، فهي قصة الإبداع الإداري الأخرى عند سموه، فلا يظن المرء أن الوزراء يعملون دون محاسبة، فقد تحدَّث معالي الدكتور ماجد القصبي أنه عند مشاهدة سموه لبرنامج التستر التجاري في الإخبارية، طلب منه المشاهدة ثم الاجتماع معه لطرح الحلول للمشكلة، وبقي في متابعة حثيثة لمراحل المشروع، فهناك سرعة للتواصل السريع مع الفريق للقائد، ومن القائد للفريق، واستخدام سموه الأساليب التقنية الحديثة في سرعة التواصل، فلا توجد بيروقراطية تعطل أو تؤخر العمل.
وأما كيف يحاسبون، فهناك محاسبية عالية، كما روى لنا معالي الأستاذ فهد الرشيد عن تحقيق له من الديوان الملكي بسبب انقطاع الكهرباء لمدة 10 ثواني عن مستشفى الملك فيصل التخصصي، وحضور جميع المسؤولين، والمقاول والإداريين؛ فالعمل في قمة الهرم تكليف وليس تشريفا، وأنهم ليس في مأمن من المحاسبية؛ لأن الأعمال تخضع للحوكمة.
وقد صنف مقدم والمشرف على البرنامج المتألق «عمر الجريسي» المحاسبية بأنها: مؤسسية وطارئة، وميدانية، وجميعها تخضع للقياس، وتقديم تقارير تقدم إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لدراسة المؤشرات وتحقيق الأهداف.
وأما في المحاسبية الميدانية، فلا مكان للتبريرات، والتركيز على إيجاد الحلول، ولا تهاون مع التقصير حتى مع ثلاث لمبات لا تعمل في الطريق العام، وتحقيق مع وزارة النقل، والأمانة، ومسؤولي الكهرباء.
وهي رسالة أن لا تهاون مع المقصر في خدمة المواطن. ويا ليت كل مسؤول في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص وغير الربحي يتخذون من هذا الأنموذج الفذ في القيادة أسلوباً في خدمة المواطن، والمسارعة في تلبية احتياجاته، وأن تكون المصلحة العامة فوق أي اعتبار.
ومع ذلك، فالمحاسبية عند سموه تقترن بالعدالة والإنصاف، وهي في حجمها الطبيعي، فالمبالغة في المحاسبة تنتج شخصية وجلة وخائفة، وتزعزع الثقة في الذات. وترك أي عمل بدون محاسبة، يصنع فوضى وغياب للمسؤولية. وبمتابعتنا لهذا البرنامج الرائع، تأكدنا بأن الدولة ومقدراتها في أيدِ أمينة بإذن الله.