فقدت المملكة في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك من هذا العام العالم الفقيه والمؤرخ فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان رحمه الله.. كانت حياة هذا العالم الموسوعة مليئة بالعلم والعطاء، فقد كان استاذاً زائراً للكثير من الجامعات المحلية والإقليمية والعالمية، حاضر وناقش وألف العديد من الكتب في الفقه والأصول والتراث والتاريخ.
نال ثقة القيادة -حفظها الله- وتقلد العديد من المناصب الأكاديمية وعضوية الكثير من المجالس والهيئات العلمية كهيئة كبار العلماء، حاز على الكثير من الجوائز العلمية ذات التأثير العالي؛ منها جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية عام 1435هـ.
كان فضيلته طيب المعشر، عذب الحديث، عاش حياة سهلة وبدون تكلف، متواضعاً لدرجة كبيرة وبعيداً عن الأضواء وعزوفاً عن وسائل الإعلام، لدرجة أنه رفض طلبي بشدة في تلك الفترة من إدارتي لجامعة أم القرى بأن تقيم له الجامعة حفل تكريم بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية.
شخصياً كنت أحرص على دعوته -يرحمه الله- لحضور الفعاليات والمؤتمرات والملتقيات التي تقيمها الجامعة إبان تشرفي بإدارتها، لأنه من أبنائها فقد تخرج فيها وتولى عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في مكة المكرمة عام 1390هـ، كان معاليه يحرص أن يكون مقعده في الصفوف الخلفية تواضعاً منه، رغم أني كنت أطلب منه الجلوس في مكانه المخصص في الصف الأول.. لا يزال في الذاكرة مشاركته المميزة في المؤتمر العالمي للاقتصاد والتمويل الإسلامي التي أقامته كلية العلوم الاقتصادية والمالية الإسلامية بجامعة أم القرى.
كنت وأنا في إدارة الجامعة أتلقى منه اتصالاً بين الفينة والأخرى يسأل ويستفسر عن أمور الجامعة، تعلمت منه الكثير يرحمه الله.. لا يزال في الذاكرة بعد انتهائي من كتابة إصداري الأول بعنوان «معاد»، تلقيت اتصالاً منه -يرحمه الله- يشجعني على الكتابة وخاصة عن محبوبته مدينة مكة المكرمة بيت الله الحرام وشرفت بإهدائه نسخة من الكتاب.
لم أجد أجمل مما خطه معالي الأستاد الدكتور صالح بن حميد -حفظه الله- في رثائه له حين قال: «نال فضيلته الترقيات والتدرجات العلمية والتعليمية التي جعلته بعد توفيق الله يتضلع في البحث والتأليف، والمشاركات في دراسة النوازل المعاصرة.. وهذا التنوع في التحصيل كون لديه ملكة علمية معرفية، فكان متشرباً للتخصص العلمي في الفقه المنهجي، والبحوث في المال والاقتصاد، والقانون، وضميمة أخرى كان له بها اهتمام وعناية فائقة، بل هو عرابها ومرجعها، وهي التاريخ المكي بشموله للأشخاص، والأحداث، والأماكن، وكان له فيه مكنة عجيبة، وعناية متميزة، وقد عرف بموسوعته العلمية، فكانت سلماً للمناصب التي تقلدها.. انتهى الاقتباس.
رحم الله معالي الأستاذ الدكتور صاحب الفضيلة عبدالوهاب أبو سليمان وأسكنه فسيح جناته.