دخل السودان قائمة الدول الفاشلة قبل أن تتطور الأمور إلى حروب الجنرالات، فقد السودان ثروته البترولية، وجزء من أراضيه عندما تخلَّى عن جنوب السودان، وواصل السودان حروبه، والبشير وحوله الإخوان المسلمين يحكمون السودان في ظل اضطرابات وفقر، لم يسع أحد حينها لتلافي سقوط البلد، وبعد إسقاط البشير تقاتل (المدنيون) والعسكر، وذلك لأن كل طرف أراد الاستفراد بالسودان، دور العسكر ليس حكم البلاد، ولكنهم حماة الوطن والمحافظون على أمن واستقرار المواطنين، بينما دور السياسيين هو الحكم، ولكن بتقديم التنازلات والوصول إلى حلول وسط لصالح البلاد، تجاهل العسكر وكذلك ما سُمِّي بالمجتمع المدني كل هذه القواعد في شؤون دولتهم، وأصر كل فريق صغير أو كبير أن ينتصر على حساب الوطن.. وسقط السودان.
وقعت البلاد في حمَّى الحديث عن المؤامرات والثروات المرغوب في نهبها من الداخل والخارج، وتناسى الجميع أن ثروة السودان هي شعبه، وأن وعي الناس هو الذي سيؤدي إلى إنقاذ السودان ومنع التآمر عليه، وحكاية المؤامرات كثيرة، وهي شيء معروف، فالناس التي تبحث عن مصالح لها، تسعى إلى ذلك بوسائل متعددة، ومنها التآمر أو التعاون مع أطراف أخرى لتحقيق هدفها، ويجب عدم الاستسلام لنظرية المؤامرة والوقوف في وجه مَن يُخرِّبون البلاد لردعهم، ولتحقيق ذلك تحتاج الجموع إلى قيادات وإلى مَن يجمعها ويُنظِّمها أو يُطلقها، وهذا فن أتقنه أصحاب أموال ومؤسسات شبه حكومية في الغرب، وأقاموا معاهد لتدريب وتعليم دول العالم الثالث في الطرق الفاعلة لتجميع الناس، وإثارة الجماهير وتنظيم حركاتهم، وهو أمر يمكن أن تقبل بحدوثه أو تنكر ذلك ولكنه أمر واقع، وكانت حركات ما أُطلق عليه مُسمَّى (الربيع العربي) قد استفادت من أموال وتدريب هؤلاء.
مشكلة العرب أنهم يشاهدون أنظمتهم تسقط الواحدة تلو الأخرى، ولكنهم لا يتنادون ويتجمعون للبحث عن حلول تقي ما بقى من الكيانات العربية من هذه (الفوضى) المخطط لها.. وبصرف النظر عما يحدث في دول أخرى في الشرق الأوسط، فإن للأنظمة العربية نصيب كبير من السقوط على يد المتآمر الأجنبي بمساعدة المتآمر الداخلي، ومنها العراق واليمن وسوريا وليبيا وتونس ولبنان، وسقوط السودان الآن ضمن قائمة الأوطان المنهارة سوف يؤدي إلى تداعيات أقوى مما حققه إسقاط الأنظمة في الدول السابقة، وأوسع نطاقاً مما كان حتى الآن.
سقوط السودان لن يبقى داخل السودان فقط.. وعلى الأنظمة العربية أن تتفاعل بشكل أكثر حسماً في هذا الأمر، وأن يتوقف الذين يُشاركون في مؤامرة إسقاط السودان طمعاً في نفوذ سياسي أو اقتصادي، وأن يعيدوا التفكير في نظرية (الدومينو) التي يسعى المتآمرون الأجانب لتفعيلها.. يساعدهم في ذلك فهم محدود للعبة السياسية من العرب المتعاونين مع أصحاب المصالح، الأجانب.
من المنتظر عقد مؤتمر قمة عربي في المملكة العربية السعودية خلال الشهر الحالي، وتتوفر هنا فرصة لتواصل الرياض بقيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد، رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، قيادة حراك عربي يُنبِّه إلى المخاطر القائمة، ويدرس الخيارات المتوفرة لحماية النظام العربي من الانهيار، ويمكن أن يكون النموذج السعودي الذي يُنفِّذه الأمير محمد بن سلمان في النمو هو النموذج الذي يُعرض على القادة العرب أن يختاروه، أو نموذج قريب منه يُرضي توقعاتهم، بحيث يشكلون خطوة أخرى نحو الإصلاح، وتمكين المواطن العربي الاستفادة من خيرات بلاده والمشاركة في البناء.. هذه فكرة عسى أن تلاقي قبولاً من معدي جداول أعمال القمة العربية في الجامعة العربية، وآمُل أن تكون المملكة العربية السعودية موافقة على دعمها ومشاركة الأنظمة العربية الأخرى فيها.