قصّ عليّ طبيب سعودي يعمل في أحد المراكز الحكومية في مكّة المكرّمة، أنّ مُعْتَمٍرَة من دولة عربية راجعت المركز، وقالت لقسم الاستقبال إنّها مريضة، ولأنّ حالتها لم تكن عاجلة ولا تستدعي الإسعاف في الطوارئ، فقد مُنِحَت رقم انتظار لوجود مرضى آخرين قبلها هم أشدّ حاجة منها لسرعة مراجعة الأطبّاء.
والمراكز الصحية الحكومية في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة تستقبل حالات الحُجّاج والمُعْتَمِرين والزائرين للحرمين الشريفين وتعالجهم بالمجّان، وهذا هو ديدن الدولة السعودية الكريمة منذ تأسيسها، في عهود كلّ الملوك: عبدالعزيز، سعود، فيصل، خالد، فهد، وعبدالله، رحمهم الله، ثمّ سلمان، يحفظه الله.
وعودة للقصّة، إذ تململت المُعْتَمٍرَة من الانتظار، وبدأت تنتقد المركز وتُثْنِي على بلدها وتدعو له بصوتٍ مرتفع: (ربنا يخليكي يا ؟؟؟، ما كُنّا ننتظر في مستشفياتك زيّ ده الانتظار)، ورغم ذلك تجاوب المركز معها وأدخلها على الطبيب الذي فحصها ووجد حالتها عادية ومستقرّة، وهي فقط تريد أدويةً موصوفةً لها في بلدها، وتريدها من هنا لأنّها مجّانية وذات تركيز أعلى عكس ما في بلدها الشقيق.
وديدن بعض الأشقّاء العرب للأسف هو عدم تقدير ما تبذله المملكة تجاههم من الغالي والنفيس، وما يُهرِّجُون به هنا من ثناء لبلادهم من حُسْن رعاية صحية هو هُراء، فالكلّ يعلم سوء الرعاية الصحية في بعض الدول العربية، لا سيّما في بلد هذه المُعْتَمٍرَة، فمستشفياتها العامّة أشبه بمعسكرات فوضوية، والداخل إليها شبه مفقود، والخارج منها شبه مولود، ومستشفياتها الخاصّة غالية التكلفة ولا مكان فيها للفقراء وذوي الدخل المحدود، وقصص المآسي الناجمة عن سوء الرعاية هناك مثل الرُزّ في كثرتها، وعندما يأتي وافدٌ منها ويُثْنِي على بلده هكذا فلا مشكلة عندي، لكن عندما يكذب ويقلب الحقيقة ١٨٠ درجة ويُجَيِّر سوء الرعاية الصحية لنا فهذا هو الجحود بعينه، والمواطن السعودي عندما يسافر للبلاد العربية فلا يتعالج ولو بحبّة بنادول إلّا بأضعاف المال الذي يدفعه مواطنو هذه البلاد، استغلالاً شنيعاً له، فقليلاً من الإنصاف بحقِّ السعودية، فنحن وإن كُنّا لا نرجو جزاءً ولا شكوراً من مثل هؤلاء، ونرجوه من ربِّ العباد، إلّا أنّ قول الحقّ صفة إنسانية مطلوبة، وشهادة الزُور هي أسوأ الخِصال البشرية على الإطلاق.
ويا أماننا من الأشقّاء كما هو من الأعداء.