ما لقيت شخصًا بعد رمضان إلا ويشتكي من تعب حاله مع النوم وعدم ضبطه، وتتزاحم العديد من الأسئلة في الدماغ هذه الأيام عن النوم: لماذا لا ننام؟ ولماذا لم يعد هناك سيطرة عليه؟ وهل هناك علاقة بين القلب والنوم؟ أم أن النوم هو نوم العيون؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف ينام الأعمى؟ أم أن الدماغ ينام أولاً فتتبعه الأعضاء فتنام، فتنام بنومه وتستيقظ بيقظته؟ وهل الحيوانات كلها تنام؟ وماهو الفرق بين نوم العباقرة ونوم الكسالى الخاملين؟
إن الأرق ينتزع من القلوب راحتها، ويطير من الرؤوس عقولها، وهو أكبر ما ينازع الدماغ ويسبب له عدم النوم، وتتفاوت أسباب الأرق وعدم النوم من سبب كبير كالمصائب والنوازل والفواجع أو سبب تافه كالهيام والعشق والتعلق بمحبوب أو محبوبة، أو أسباب أخرى كالخوف والقلق والمرض، وأيًا كان أسباب عدم النوم يظل موضوع دخول الناس في معركة مع النوم في شوال سببه مختلف ومحدد وهو الإخلال بنظام وتنظيم الساعة البيولوجية للدماغ خلال شهر رمضان بقلب نهارها ليلاً وليلها نهارًا، ولذلك تكون المعاناة في شهر شوال مع النوم وتكون معركة السهر والنوم.
إن تحقيق الحل والانتصار في المعركة على النوم إنما هو بتعديل خلل الساعة البيولوجية الذي حدث في الدماغ وذلك بعدم استمرار النوم في النهار إلى حين أن يحل وقت ما بعد صلاة العشاء ثم يكون النوم فيتم بذلك التعديل الأولي والأساسي الذي سيتبعه تضبيط الساعة البيولوجية للدماغ بإذن الله.. فالنوم المبكر يقود للاستيقاظ المبكر وهو ما يعرف بالاستيقاظ الطبيعي، وهو ترك النوم في وقت اكتفاء الجسم بتنبيه من الساعة البيولوجية الموجودة في الدماغ بعكس الاستيقاظ الاصطناعي الذي يتم الاعتماد فيه على إيقاظ الخلايا النائمة الهادئة بواسطة المنبه (منبه الساعة)، فإرعاب الخلايا الدماغية بذلك الصوت وهي تغط في نوم عميق ينعكس تأثيره سلبًا على راحة الإنسان، ويضعف أداؤه في نهاره كما أنه يورث الشعور بالعصبية والنرفزة وذلك بسبب نقل الدماغ فجأة من إيقاع موجات دلتا البطيئة (حوالى موجتين/ ثانية) إلى إيقاع موجات بيتا السريعة (حوالي ١٨ موجة/ ثانية).
يقول البروفيسور أوز ولد المتخصص في دراسة ظاهرة النوم «إذا كت تريد أن تنام بسرعة عندما تخلد إلى فراشك فأستيقظ مبكرًا في الصباح، وأفعل ذلك بانتظام فذلك أفضل أنواع النوم، وتكون يومها أكثر سعادة وأعظم نشاطًا».. وقد جاء في صحيح الجامع الصغير أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: «بورك لأمتي في بكورها».
وإن مما أقره علماء البيولوجيا أن الاستيقاظ المبكر ينشط كلاً من الدورة الدموية والتنفس، بحيث يستفيدان من هواء الفجر النقي والغني بغاز الأوزان.
إن السهر عدو النوم والمعركة بينهما تدور رحاها بين غالب ومغلوب لأن أحد أطراف المعركة (النوم) يختبئ خلف أمور غير محسوسة إلى حد يشبه الموت كما قال ذلك سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يقول «النوم أخو الموت» ويرفع عن صاحبه القلم كما قال عليه السلام «والنائم حتى يستيقظ»، ومع تقدم العلم البيولوجي يقف العلماء حائرين أمام هذه الظاهرة لأنها تقودهم من غموض إلى غموض وتدخلهم وهم يبحثون عنها في سبات نوم عميق ليتحقق قوله تعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
