عندما بلغ عالم الكيمياء البريطاني البروفيسور (جون قودانف) سن الخامسة والستين عاماً من العمر أحالته جامعة أكسفورد البريطانية التي كان يعمل فيها إلى التقاعد على الرغم من عبقريته الفذة ونشاطه البحثي والأكاديمي المتميز.. لكنه لم يركن ويستسلم أو ذهب ليقضي وقته في شرب القهوة والشاي بالمقاهي مع المتقاعدين من أمثاله أو يجلس بالمنزل لتربية أحفاده أو يستلقي على سريره ويشاهد التلفزيون انتظاراً للموت.. بل اتخذ أصعب قرار في هذه السن وهو الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والعمل في جامعة تكساس بمدينة أوستن التي ليس بها سن محدد لتقاعد الأساتذة لديها، وظل يعمل فيها ثلاثة وثلاثين عاماً أخرى، وكانت من نتائج أبحاثه العظيمة التي عملها بعد تعيينه استاذاً بجامعة تكساس هو القيام بتطوير بطاريات أيّون الليثيوم التي يعاد شحنها وتمتاز بوزنها الخفيف وتخزينها من طاقة الشمس، وبسبب هذه الأبحاث الإبداعية المنتجة حصل البرفيسور (جون قودانف) في شهر أكتوبر عام 2019م على جائزة نوبل في الكيمياء وهو في عمر السابعة والتسعين، مما جعله أكبر شخص من حيث العمر يفوز بهذه الجائزة الشهيرة منذ إنشائها في العام 1901م.
بعد حصوله على الجائزة، انتقد الأكاديمي البروفيسور «جون قودانف» جامعته السابقة أكسفورد البريطانية لإجباره على التقاعد في سن الخامسة والستين عامًا، في خطوة كانت من الممكن أن تبعده تمامًا عن الحقل العلمي والعمل الأكاديمي والبحثي.
ونقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن (جون قودانف) قوله: «لقد هربت من جامعة أكسفورد، وكنت أعلم أنهم سيحيلونني على التقاعد، لم أكن أريد ذلك، في جامعة تكساس لن يفعلوا هذا الأمر».. وأضاف قائلاً: «من الغباء جعل الناس يتقاعدون في عمر معين، والدليل أنني قضيت ثلاثة وثلاثين سنة مليئة بالنشاط البحثي والأكاديمي منذ أن أجبرت على التقاعد في جامعة أكسفورد البريطانية، لهذا السبب غادرت إلى جامعة تكساس الأمريكية».. وتابع قائلاً: «حتى إذا فقدت الموهبة في عمر معين، فأنت ما تزال تملك الخبرة، التي ستقوم بنقلها للأشخاص الآخرين وتفيدهم بها».
بالطبع ليس المقصود التمديد لكل عضو هيئة تدريس مهما كان عطاؤه، ما قصدته الذين يمتازون بالعطاء البحثي والأكاديمي.. والسؤال الآن كم من الأساتذة والخبراء المبدعين ترجلوا عن العمل الأكاديمي والبحثي من جامعاتنا السعودية بحجة بلوغ الواحد منهم السن النظامية للتقاعد دون أن نعي أننا بذلك نفقد ما لدى هؤلاء الأساتذة الكبار من خبرات وتجارب وتراكم معرفي؟!.