كلمة عامية جميلة معناها العتاب أو الرفض، وفي بعض الأحيان نجد أنها تصرخ بداخلنا بسبب مغالطات أو تجاوزات كبيرة.. وانتشر مقطع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو في لقاء مع الإعلامي البريطاني «دونالد بيترسون» للحديث عن الفترة السياسية الجديدة برئاسته، ومن المغالطات التي ذكرها أن العرب لم يضيفوا أي إضافات حضارية إلى فلسطين، باستثناء بناء بلدة «الرملة» التي تقع في شمال شرق القدس.. يعني الحضارة العربية بكبرها لم تُقدِّم غيرها.. وبالتالي فيصبح هذا - من وجهة نظره الغريبة - من مبررات الاستيلاء الصهيوني على كامل الأراضي الفلسطينية، وترحيل أهلها واستمرار القمع والظلم المسلح.. وأود أن أقول «أفا».
العمران هو أحد أهم الشواهد والدلائل على الحضارة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق.. يقع منزل ومكتب رئيس الوزراء المذكور في القدس على مقربة من البلدة التاريخية، وأكيد أنه يدرك أهمية بيت المقدس العمرانية، بل إنه غالباً ما يدركها أكثر من رئيس وزراء للكيان، بدءاً من «بن جوريون»، ومروراً بأشكول، وجولدا مائير، ومناحيم بيجين، ورابين، وبيريز، وشاورن.. والسبب أن هذا هو أول رئيس وزراء للكيان يحمل شهادة في العمران من «معهد ماساتشوستس للتقنية» MIT الراقي في الولايات المتحدة، يعني خلفيته العمرانية قوية جداً، ولا مجال للقافة العمرانية أو البهللة الثقافية.. ولا يخفى على الجميع أن القدس من أجمل مدن العالم، وأن هويتها العمرانية بُنيت على مدى آلاف السنين، ولم تولد في عشية وضحاها.. ولو دققت في جمالها وهويتها؛ ستجد أن قبة الصخرة الذهبية الرائعة هي إحدى أهم العلامات الفارقة التي تعرف القدس من بعد، فلا مثيل لها في أي مكان، بل وستجد أن قباب ساحة المسجد الأقصى المختلفة من قبة الأقصى الفضية، وقبة السلسلة، وقبة النبي موسى، وقبة الميزان، وقبة النبي سليمان، وقبة النبي الخضر.. وغيرها.. كلها إسلامية، وضعتها الحضارة الإسلامية عبر العصور.. وساحة الأقصى بأكملها تُشكِّل الفراغ المفتوح الجميل الذي يضع لمسات جمالية على القدس لا مثيل لها.. كنتُ دائماً أحث طلبتي على رسم خريطة ذهنية لأي مدينة لفهم عناصرها.. وفي القدس نجد أن ساحة الأقصى تهيمن على شخصية المدينة العمرانية بأكملها.. وهناك المزيد.. فسور القدس الجميل الذي يُقنِّن فراغ المدينة، يعكس اهتمام الحضارات الإسلامية، فقد بناه سليمان القانوني المسلم عام 1537م.. وحتى كنيسة القيامة تعكس لمسات الحضارة الإسلامية، فعندما فتح عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - القدس عام 637م بدون إراقة الدماء، كما فعل مَن قبله، لم يقبل الصلاة في الكنيسة بدعوة من أسقف المدينة «صفرونيوس»، حفاظاً على مستقبلها للطوائف المسيحية المختلفة، علماً بأنها أقدس كنيسة لهم، بل وأضاف سيدنا عمر العهدة العمرية كوثيقة حضارية تحترم حقوق البشر والعمران، وللعلم فهي تُدرَّس في كليات الحقوق والعلوم السياسية حول العالم إلى يومنا هذا.. ومن الإضافات المتميزة للحضارة الإسلامية أيضاً هي الأسبلة المتعددة العامة، ودور العلم، والرعاية الصحية، التي كانت القدس من روادها على مستوى العالم. وللعلم أيضاً، فأثناء فترة الغزو الصليبي كانت الدول الأوروبية ترفض العلوم الطبيعية والطبية من المسلمين، فنقلت إلى أوروبا بطرق أخرى، ومنها على يد الأطباء اليهود.. وأضيف هنا أن أعظم فلاسفة اليهود هو موسى ابن الميمون الشهير عندهم باسم «مياموندس» أو «رام بام».
* أمنيــــــــة:
أتمنى أن نتذكر أن العمران هو من أهم الشواهد على عظمة الحضارة الإسلامية في القدس وفي كل مكان، وقد قامت على مخافة الله واحترام الإنسان أولاً، ومنهما انطلقت مبادئ احترام البيئة الطبيعية والعمرانية.. وأن تهويد القدس والأراضي الفلسطينية ومحاولات تهميش الحضارة الإسلامية في القدس، وفي فلسطين بأكملها لن تفلح، فالدلائل والبراهين كثيرة ولله الحمد، وهو من وراء القصد.