بعض الكلمات قد تبدو وكأنها وديعة ولطيفة، ولكنها تحمل معاني مخيفة.. وعنوان المقال معناه «ما اسمه»، ويرمز إلى الاسم أو الشيء الذي لا يحضر الذاكرة، أو الصعب التعريف، وفي الواقع؛ الكلمة تعني أكثر من ذلك بكثير في معظم اللغات، ففي الإنجليزية، والهندية، والعبرية هيWhatshamacallit «واتشا ماكولت».. وبالألمانية dingenskirchen «دينجنز كيرتشن».. وفي العديد من الأحيان تكون مقدمة للنكد في الحياة الزوجية، سواء استخدمها الزوج أو الزوجة، أو الحموات طبعاً.. ويبدأ مفعولها عادةً خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة.. وفي بيئة العمل، ينذر استخدامها بتحديات قادمة تصل إلى لفت النظر، أو الحسم، أو الفصل.. وحتى في العلاقات الدولية، نجد أن وجود الكلمة بشكلٍ أو بآخر يُنذر بوقوع مشاكل مستقبلية، ولذا، فتجد أن الاتفاقيات الدولية مليئة بالتعريفات لتفادي مشاكلها.. الموضوع باختصار أن هذه الكلمة تعكس اللقافة والتسيب، أو البكش والمراوغة. خطر على بالي هذا الموضوع عند مشاهدتي حديثاً لمقابلة مهمة في اليوتيوب مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.. وكان لهذا اللقاء العديد من التجاوزات تحدثت عن بعض منها في مقال الأسبوع الماضي بعنوان «أفا».. وقد احتوى حديثه على مغالطات تاريخية تختبئ خلف العديد من الحجابات المنطقية.. حيث ادَّعى في لقائه أن العرب لم يُقدِّموا أي حضارة لفلسطين باستثناء بناء مدينة الرملة في شمال شرق القدس.. يعني في جملة واحدة طمس إنجازات التاريخ العربي، والإسلامي، والفلسطيني الذي أضاف الشخصية الحضارية الأساسية للبلاد، ولكن الملاحظ أيضا أنه أشار إلى «العرب»، ولم يشر إلى الفلسطينيين، أو إلى الحضارة الإسلامية.. يعني شطب من تعريفه للتاريخ، الحقبات الكنعانية، والإسلامية الأولى في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبدالملك بن مروان، والحضارة العباسية، والأموية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية، وفوق كل ذلك حصيلة الهوية الفلسطينية للبلاد.
ثقة نتنياهو بنفسه أثناء اللقاء كرئيس وزراء مخضرم، ومتحدث متمكن، جعل مفهوم «الايشيسمو» مخفياً.. وهذه ضمن فنون استخدام هذا الأسلوب من المغالطات. وهناك المزيد، فقد تعوَّدنا في الخطاب الإسرائيلي على تهويد الحضارة الفلسطينية، والآن يأتي مبدأ تهميش تلك الحضارة لدرجة غير معقولة.
وفي خضم موضوعنا، نجد تطبيق المفهوم عند الحديث عن القدس الشريف.. وحسب علمي المتواضع في دراسات المدن فالقدس واحدة فقط.. ولكن نجد أن مفهوم «الإيشيسمو» يرمز إلى مفاهيم مختلفة تماماً.. أصبح مفهوم المدينة اليوم يختلف اختلافات جوهرية، ولكل منها خصائص مختلفة: هناك القدس التاريخية، والقدس الشرقية، والقدس الغربية، والقدس الكبرى.. التاريخية مساحتها أقل من كيلومتر مربع، ومدينة القدس مساحتها تعادل تقريباً مساحة مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، وتنقسم إلى الشرقية والغربية، والقدس الكبرى مساحتها تفوق الستمائة كيلومتر مربع، وفي العديد من الأحيان يدخلون الحابل في النابل.
* أمنيــــة:
مخاطر الإيشيسمو كبيرة ومتعددة الجوانب، وقد سبَّبت العديد من المشاكل على مر التاريخ.. أتمنى أن نحرص على كتابة وقراءة وفهم الأمور بدقة وحرص تفادياً للمشاكل، سواء كانت على المستويات الفردية، أو الأسرية، أو المؤسساتية، أو السياسية، والله يقينا مخاطر التسيُّب المنطقي واللغوي، وهو من وراء القصد.