يمضي قطارُ العُمر مسرعاً، لا يستطيع أحد أن يتحكم فيه، ولا يعرف أين ومتى تكون (الخاتمة).
وهناك من الأقوام من يلهث وراء المال، وكأنه مُخلَّد إلى الأبد، لا حدَّ لطموحاته الدنيوية، وقد جاء في الحديث الشريف: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلّا التراب، ويتوب الله على من تاب".
ينتابنا الكثير من الألم على هؤلاء الذين كرَّسوا حياتهم لجمع المال، وليتهم يُنفقون بقدر ما يجمعون، ويستعجلون في النفقة قبل أن ينتهي بهم الأجل، وبالتالي ينطبق عليهم ما ورد في سورة المنافقين: "وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدَكم الموتُ فيقول ربِّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدَّق وأكن من الصالحين". أو عندما يدنو منه الأجل يقول: "يا ليتني قدمتُ لحياتي".
لهذا يأمرنا رب العزة والجلال في كتابه العزيز، "فاستبقوا الخيرات"، في الوقت الذي أمرنا بالهوينى بالمشي.
فلا غرو أن ينتاب العديد منَّا الألم ونحن نشاهد بين ظهرانينا مَن يكتنز ما يفيض عن حاجته، ناسياً أن في ماله حقاً معلوماً للسائل والمحروم.
وإذا كان للزكاة أوجه للصرف معروفة، فإن هناك التزاماً آخر اجتماعياً، وهو ما يندرج تحت مسمى (المسؤولية الاجتماعية) القائمة على معالجة مواقف محددة، وسد احتياجات تخدم النفع العام، وتعين على سد الفجوات التي تحدثها الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وقد راقبناها عن كثب خلال جائحة كورونا، فرغم الضرر الاقتصادي الذي نال عالم التجارة، إلا أن البعض استشعر مسؤوليته نحو الآخرين، وقدَّموا تبرعاتهم للجمعيات الخيرية لتوفير احتياجات المحتاجين، فضلاً عن أن الدولة ساهمت بشكلٍ فعال ومن خلال الجمعيات المعتمدة في تقديم العون الإغاثي، رغم الأعباء المالية التي مرّت بها.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى إقبال العديدين على بناء المساجد، وهو أمرٌ محمود ويُثاب عليه فاعله، إلَّا أن هذا الاتجاه يلزمه الترشيد فيه، فلا يُبنى مسجد دون أن تُراعى الحاجة إليه، ودون أن يُراعى التوزيع الجغرافي وكثافة السكان في الأحياء، والبُعد عن مظهر التباهي، واختيار الطرق الدائرية والشوارع الرئيسية دون تلمُّس حاجة من حولها، فتتعدد المساجد وتفيض عن الحاجة، بينما تفتقد العديد من المواقع إلى المشافي والمستوصفات، وبناء المدارس النموذجية، أو على سبيل المثال المساهمة في تدريب الكوادر وتأهيلهم وتوظيفهم، ونشر العلم والثقافة بينهم، بما يعود بالنفع العميم على الناس، وسينالون ثواب بناء المسجد إذا أخلصوا النية فيما يُقدّمون.
وأود التذكير بأنْ تُحقِّق ما تريد وأنت حي تُرزق، وتشرف عليه بنفسك، بدلاً من التوصية: افعلوا وافعلوا بعد وفاتي.. الخ، فماذا لو لم يفعلوا؟!.