من خلال الاهتمام بالتنمية البشرية تستطيع الدول أن تواكب التطورات الحضارية والثقافية والتكنولوجية التي تعيشها البشرية في وقتنا الحاضر، المتفوقون هم محور هام من محاور التنمية البشرية في كل مجتمع، فهم الثروة القومية والطاقة المحركة نحو الحضارة والتقدم والبناء، وهم ذخيرة الوطن ومنابع سعادته ورفاهيته وثروته، وهم عماد الحاضر وقادة المستقبل.
ولفتت ظاهرة التفوق نظر الفلاسفة والمفكرين منذ القدم، لذلك حاول بعضهم أن يقدم تفسيرات وتحليلات مختلفة لهذه الظاهرة، كما استخدم العلماء مصطلحات وتعاريف مختلفة للدلالة عنها مثل، العبقرية والنبوغ والذكاء والموهبة.
فمنذ ألفي عام أعلن الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون، تلميذ أكثر رجال عصره حكمة، العالم الفيلسوف سقراط: «إن على الدولة اليونانية أن تهتم بالتعرف على المتفوقين عقليًا بصورة مبكرة، حتى تستطيع أن تقدم لهم أنماطًا خاصة من التعليم في مجال العلوم والفلسفة وعلوم ما وراء الطبيعة، حتى يمكن أن توفر القيادات الكافية في الدولة».
ويعرف عن بعض ولاة العرب أنهم يوفدون الرسل للبحث عن النابهين والمتفوقين من الشباب في أرجاء الولاية ليأتوا بهم إلى قصورهم، حتى يتلقوا التعليم الجيد في شتى المعارف للاستفادة من طاقاتهم الممتازة في شؤون الإدارة والحكم.
وخلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ظهرت جهود ضئيلة في أوروبا لانتقاء الأطفال المتفوقين والموهوبين عقليًا بهدف تقديم خدمات تربوية خاصة بهم، ويعود السبب في ذلك إلى أن الاعتقاد السائد في تلك الحقبة الزمنية هو؛ أن التعليم الثانوي والجامعي ينبغي أن يتاح فقط لأبناء الطبقات الاجتماعية الثرية، والتي كان يُظَنْ أنها وحدها الشريحة التي تمتلك أذكى القادة في مجالات الإدارة والحكم.
ومع نمو المعرفة الإنسانية في مجال علم النفس؛ وظهور أول اختبارات الذكاء الذي وضعه عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيه (1857-1911) لقياس ذكاء الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة في مناهجهم الدراسية، برز اتجاه آخر يهتم بالمتفوقين عقليًا في صفوف الأطفال من سن مبكرة، وكان لجهود ألفرد بينيه دور كبير في بدء مرحلة جديدة تميزت بالعمل الجاد والمستمر من أجل تطوير طرق وأساليب القياس العقلي عند الأطفال، مما أدى إلى اكتشافهم وصقلهم والاهتمام بهم، وتحقيق فرص التعليم المناسب لهم كمحور هام من محاور التنمية البشرية، والتي هي هدف رئيس لكثير من الدول في عالم اليوم من أجل النهوض بمجتمعاتها.
فهل نرى شيئاً من هذا في واقعنا التعليمي المعاصر؟.