بعيدًا عن شرعية نظام شركات التأمين وأهدافها الظاهرة والمُضمرة؛ فإن طريقة تحصيلها للأموال تُعتبر من أغرب الأمور التي يتعرض لها المواطن؛ فكل شركة لها اشتراطاتها، وكل شركة لها أن تُقرر المبلغ الذي تريد تحصيله، والأدهى من ذلك هو ثمن الرسوم التي تتقاضاها الشركات التي تتفق جميعها على هدف رئيس وهو: (الربح المادي والثراء السريع على حساب المواطنين).
قضية الرسوم هذه تُعتبر من أغرب ما يُصادفه صاحب المركبة؛ فعمره له دور فيها، ونوع السيارة له دور، وعمر السيارة له دور، وكل هذا التنوع هدفه إيجاد مبررات للشركات لرفع ثمن الرسوم على المواطن.. وعلى سبيل المثال؛ فولدي عمره (٢١) سنة، وأشهر ولديه سيارة صغيرة، وأراد تجديد رخصة السير (الاستمارة)، فكان لزامًا عليه أن يدفع رسوم التأمين، فبحث في شركات التأمين، فوجد أن أقل مبلغ تطلبه الشركات كان مقداره (2894.55) ريالًا، عدًّا ونقدًا، فضلًا عن رسوم تجديد رخصة السير (الاستمارة)، التي تبلغ (٣٠٠) ريال، ليصبح المجموع (3194.55) ريال، تم دفعها كاملة دون نقصان.. وبسؤال العارفين والمجربين عن سبب المبالغة في الرسوم، ذكروا بأن ذلك يعود لصغر سن السائق -علمًا أن لديه رخصة سياقة- وهذا يعني أنه كلما صغر سن السائق زادت قيمة الرسوم، وكلما كبر سنه انخفضت قيمة الرسوم، ويعود كذلك لنوع السيارة.
هذه المعادلة العجيبة توحي لنا بأن شركات التأمين لديها قاعدة مفادها أن (الشباب والسيارات الصغيرة هم الأكثر حوادثَ، وأن الكبار والمركبات الكبيرة هم الأقل حوادثَ)، وهي قاعدة غير صحيحة، وليست ثابتة، ولا يمكن القياس عليها والانطلاق منها دائمًا؛ فليس كل صغير سن؛ متهورًا أو لا يجيد السياقة، وليست كل مركبة صغيرة أدعى لممارسة العبث بها، ومع هذا وعلى افتراض بعض الصحة لهذه القاعدة، أليس هناك معايير أخرى يمكن الاحتكام إليها والرجوع إليها؟..
لماذا -على سبيل المثال- لا تعود شركات التأمين ممثلة في كبيرها (شركة نجم) مباشرة للفترة الماضية في ملف السائق (سواء كانت سنة أو سنتين أو ثلاث)، وتنظر في صحيفة الحوادث الخاصة به، فإن كانت نظيفة من الحوادث، فتعامله معاملة الكبار، بحيث تخفض مبلغ الرسوم لأدنى حد، وإن كانت لديه حوادث، فتُقدَّر بحسب عددها وحجم ضررها، وتبني على ذلك قيمة رسوم التأمين المستحقة.. وللحق فهي تعود ولكن بشرطين أحلاهما (مرُّ): الأول- خلو السجل من (المطالبات)، الأخير- تأمين المركبة (بانتظام).
هذا السداد السنوي قصم ظهور أولياء أمور الشباب، خصوصًا ومجتمعنا السعودي معظم أفراده من الشباب، الذين فيهم العاطلون، وفيهم من هم على وظائف مرتباتها متدنية، ولو أنَّ شابًّا ظل يجدد بشكل سنوي، هذه يعني أنه وخلال عشر سنوات فقط يكون قد دفع (٣٠٠٠٠) ريال، وهو ما يعادل نصف ثمن سيارة جديدة.. ويبقى السؤال والرجاء موجهًا للمرور الذي يُلزم السائق بدفع رسوم التأمين عند تجديد رخصة السير، لماذا هذا الإلزام والسائق هو الذي يتحمل مسؤولياته في الحوادث، وهو أدرى بنفسه وأعرف بوضعه المالي؟، ولماذا يُحصِّل المرور (100) مئة ريال من السائق الذي لم يجدد رسوم الاشتراك في التأمين مع كل مخالفة سير يقع فيها، مثل: (عدم لبس الحزام أو تجاوز السرعة المحددة)؛ بمعنى، لماذا تستوجب المخالفة الحالية مخالفة أخرى؟، ويبقى الخوف لو أَلزم المرورُ السائقَ بتجديد رسوم الاشتراك في التأمين (بشكل سنوي)، ففي هذا ضررٌ بالغ سيقع على كاهل المواطنين لن يستطيعه منهم ويحتمله إلا من كانت مفاتح خزائنه «لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ».