كان (المطوِّع)، وكان الحرف الأول في عالم التَّهجئة.. مع (المطوِّع)، لا ينكر عبدالمحسن القحطاني مقدار الأثر الذي أحدثه، فقد تعلَّم منه التَّهجئة، وتعلَّم منه مسافة الصّوت، إلّا أنّ سماع الموتورات -كما يقول- التي تجلب الماء من الآبار الارتوازيّة أعطته حركةً موسيقيّةً، حتى تعوَّدت أذنه على سماعها.
كانت تلك المرحلة منعطفًا مهمًّا في تعليمي -كما يعبِّر القحطاني- بعد أن بقي مع (المطوِّع) الذي -يُعادل الكتاتيب- فترةً أحسن فيها فكَّ الحروف كنقطة أولى في عالم المعرفة.
في عام (1374هـ) حمله القدرُ إلى مدرسة (المحموديّة)، وهي مدرسة من بين ثلاث أو أربع مدارس في مدينة الرياض كلها.
يصف القحطاني أوّل يوم دراسي بالقول: «حينما دخلت الفصل جاء الأستاذ وهو مصريّ وكتب على السبورة كلمة (ذَهَبَ)، وقال: مَن يقرأها؟ فقلت له: أنا يا أستاذ، وقرأتها له بالتّشكيل وذلك بالطّريقة البغداديّة وحدّثته عنها فاستعجب، ثمّ ما لبث إلّا قليلًا حتى جاء ذلك الأستاذ بمدير المدرسة وكان من (حوطة سدير)، وأخبره بما فعلت، وطلب منّي إعادة القصّة فأعدتها له، ثمّ سألني أين درست ذلك؟ فقلت له عند (المطوِّع)، حينها طلب الأستاذ نقلي إلى فصل آخر، وعندما سألته عن السّبب قال لي: إنَّك تقول أشياء لا أعرفها!».
وعندما وصل القحطاني إلى السنة الرابعة الابتدائيّة انتقل إلى مدرسة أخرى في منطقة (أم سليم)، ومكث فيها حتى الصّف السّادس ثمّ انتقل بعدها حينما تمّ افتتاح مدرسة بالقرب من مقر سكنه، ودرس فيها حتى حصل على الشهادة الابتدائيّة، فما كان من والده سوى أخذه إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- بعد أن رأى والده أمارات التّفوق والمثابرة عليه، وإذاعة اسمه على الملأ في (إذاعة طامي)، حينما كانت تذيع أسماء الطّلاب مصحوبة بأرقام الجلوس.
يحدّثنا القحطاني عن تلك الإذاعة بالقول: «كانت إذاعة طامي هي مصدر تناقل الأخبار المعتمدة، فطامي رجل عبقريّ من مدينة (الزلفي)، استطاع أن يرسل عن طريق الإذاعات بدلًا من استقبالها فقط، وكانت الرياض كلّها تستمع له، وهو يقرأ الأخبار، وكان الناس أنفسهم يذهبون إليه ليخبروه بكلّ شيء جديد ممّا له علاقة بحياتهم البسيطة -آنذاك- ومن أمثلة ما كان يُذاع: (فلان الفلاني ضاعت منه عنزة في المكان الفلاني، ومن يعثر عليها يذهب بها إلى المكان الفلاني)؛ ولكنّها أغلقت، حينما بدأ صاحب الإذاعة يتدخّل في أشياء لا تعنيه، وانحرفت عن مسارها الذي كانت عليه».
تحدث نقطة تحوّل أخرى في حياة القحطاني، حينما ذهب مع والده إلى ابن باز -رحمه الله- وقال له والده -رحمه الله-: «هذا ابني وأريده أن يقرأ كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم».
خيّره ابن باز -حينها- ما بين معهد إمام الدّعوة، وبين المعهد العلمي، ومعهد إمام الدعوة -كما هو معروف في تلك المرحلة- مقصور على كبار السّن؛ فليس من شروطه الشهادة الابتدائيّة؛ وإنّما شرطه يقوم على اجتياز المقابلة الشخصيّة، وبعض العلوم البسيطة التي تمكّنه من إكمال مسيرته العلميّة.
ولكنّ القحطاني طلب الدخول إلى المعهد العلمي، وبهذا استطاع أن يثبت جدارته فهمًا وعلمًا وأدبًا، حتى حصل على المراكز الأولى في سنواته الدراسيّة، وفي السنة الثانية تُوفي والده، مع ذلك أكمل مشواره في المعهد فتخرّج فيه، ثمّ التحق بالجامعة بكلية اللغة العربيّة وتخرّج فيها عام (1387هـ)، هنا تبدأ رحلة أخرى مليئة بالمنعطفات والتحوّلات.
يتبع،،،