كتاب تحت عنوان «نظام التفاهة» صدر عام 2016م، لمؤلفه الفيلسوف الكندي (آلان دونو)؛ رسم المؤلف في الكتاب صورة بانورامية لسيطرة التافهين، وسيادة التفاهة، وتحوُّلها إلى نظام اجتماعي يحكم العالم.
تطرَّق إلى التحوُّل الذي طرأ على مفهوم العمل تحت سيطرة الرأسمالية، التي حوَّلت البشر إلى مجرد آلات تُستخدم للسيطرة وجني الأموال؛ الذي يُوفِّر الاستمرارية للمنظومة الاقتصادية.. وبسبب ذلك -والكلام للمؤلف- تم الانتقال من العمل الجاد إلى الوظيفة؛ التي وصفها بأنها أصبحت وسيلة لتوفير الدخل المادي للفرد، وشبَّه ذلك ببائع الكتب والصحف الذي لا يكلف نفسه بقراءتها، لأنها في نظره أحد مصادر الدخل المادي.
سلَّط الكاتب الضوء على حقيقة صادمة مفادها: أن الجهات التي من المفترض أن تُصنَّف في خانة مضادات للتفاهة والسطحية، وفي مقدمتها الجامعات، أصبحت وللأسف جزءًا أساسيًا في نشر نظام التفاهة الذي نعيشه اليوم.. فبدلاً من أن تقوم بأدوارها في تخريج أجيال من العلماء والمثقفين الذين يثرون بعلمهم وفكرهم القضايا المجتمعية، أصبحت مكاناً لتخريج أشباه المتعلمين، الذين يحاولون إضفاء الشرعية لحكم الأقلية من (التافهين)، أو ما تسمى بالأوليغارشية الاقتصادية.
في الكتاب ذكر المؤلف: إن نظام التفاهة يعني انسحاب التفكير الناقد والتدقيق في النظر إلى الأشياء، وبالتالي إفساح المجال أمام تغوُّل النزعة التقنية ذات الطابع التبسيطي، الذي تكفله الأنظمة والأعراف الأكاديمية.. يتخرَّج من الجامعات نهاية كل عام -والكلام للكاتب- الآلاف من المتمكنين من المعارف التقنية، لكنهم فارغون فكرياً، فتجد الواحد منهم يقف عاجزاً عن التعاطي من الإشكالات الفلسفية، التي لها محتوى عميق في المعنى.
وحتى المجالات الأخرى مثل الثقافة والفن، لم تسلم من سيطرة التافهين، وأصحاب الذوق الهابط، لدرجة أن غدت الأعمال الثقافية والفنية الرزينة والهادفة، ذات الرسالات السامية التي تحترم الذوق العام على وسائل الفضاء المفتوح، من الأشياء النادرة.
مرد ذلك إلى هيمنة السوق الاقتصادية على الإنتاج الثقافي والفني، حسب رأي المؤلف، لأنه يتم توظيف هذا الإنتاج لتمرير الرسائل وإشباع الحاجات، لاستمرار سيطرة السوق في ظل تملك التافهين لوسائل الإعلام، واستحواذهم على سوق الإعلان المدر للأموال.
ويخلص المؤلف إلى حقيقة أننا نعيش الآن في ظل سيطرة أقلية من التافهين، وليس في كنف فضاء يستوعب كافة التوجهات، لذلك يرى الكاتب أن السبيل الوحيد للإطاحة بنظام التفاهة، لا يمكن أن يتم إلا بطريقة جماعية، وصفها بـ (القطيعة الجمعية)، وليس عبر الجهود الفردية.
في هذا الصدد، تستحضرني مقولة للكاتب الإيطالي (روبيرتو هيكو): «في الوقت الحاضر تمنح الفضاءات حق الكلام لفيالق من الحمقى؛ الذين كانوا يتكلمون في المقاهي دون أن يتسببوا بأي أذى للمجتمع، أما الآن فلهم حق الكلام، مثل من يملك جائزة نوبل».