في صورة كاريكاتورية تُنسب إلى جهة تُسمى «عالم المعرفة»، الرسم يوضح الفروقات بين البشر، وكان هناك بوابة يقع على هرمها عدد قليل جداً من الأفراد، ومن جانبيها السلالم التي تؤدي إلى القمة، يقف عليها مجموعة أخرى أكثر قليلاً من العدد المتصدر للقمة، وأسفل البوابة أعداد غفيرة من البشر. وكان التعليق المكتوب على الكاريكاتير كالتالي: 1% يحكمون العالم، و4% يتم تحريكهم كالدُّمى، و90% غافلون، و5% يعرفون الحقيقة، والأحداث كلها تدور في محاولة الـ4% في منع الـ 5% من إيقاظ الـ90%.
ويا له من كاريكاتير معبّر عما يحدث في العالم، فإذا افترضنا أن الـ1% هم من يُسمُّون حكومة العالم الخفية، أو الشركات العالمية المتعددة الأغراض، أو المافيا العالمية، فلا غرو أن مَن يحكمون العالم يستخدمون فئة الدمى؛ كالإعلام ووسائل التواصل الحديثة في منع الـ5% من إيقاظ غفلة الـ 90%.
المحطة الثانية تحمل إحدى روائع ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، التي ينطبق محتواها على العديد من الأنظمة في العالم المعاصر، حيث يقول: «لا تولُّوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب؛ اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكلٍ متعمد، نظراً لشعورهم المستمر بعُقدة النقص والدونية التي تلازمهم، وترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط ونهاية الدول».
ولا أدري إن كان ابن خلدون قد تنبّأ بأحداث الانقلابات العسكرية التي وقعت في عصرنا هذا، والاستشهادات بذلك عديدة، على أنه لا ينبغي إغفال نصيحته المتعلقة بمناصب القضاء وشؤون العامة، حيث نرى العديد من الدول النامية وقد أمسك زمام القضاء وشؤون العامة بها؛ من هم ليسوا أهلاً لها، بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية تشمل شيوع المظالم وغياب العدالة الناجزة في تلك البلدان.
وقد وجدت من المناسب الاستشهاد بالحوار الذي تم بين الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي عُرف عنه عدله ومساواته وردُّ المظالم وعزل جميع الولاة الظالمين ومعاقبتهم. والطرف الآخر في الحوار هو الإمام والعالم الكبير الحسن البصري الشهير بالورع والزهد، حيث جلس عمر بن عبدالعزيز مع الحسن البصري فسأله عمر: بمن أستعين على الحكم يا بصري؟، قال يا أمير المؤمنين، أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم، وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك.
فتعجّب عمر بن عبدالعزيز وقال له: فيمن أستعين إذن؟!.
قال: عليك بأهل الشرف، فإن شرفهم يمنعهم من الخيانة.
فعليكم بأهل الشرف.