يعتبر قرار تحويل مؤسسات الطوافة من مؤسسات أفراد إلى (شركات) - بظهور نظام مقدمي خدمات حجاج الخارج بالقرار م/111 بتاريخ 16/9/1440هـ - لهو قرار تتطلبه المرحلة الاقتصادية التي تمر بها الدولة.
ويهدف المشروع إلى رفع كفاءة العاملين في مجال خدمة ضيوف الرحمن، والعمل على توسيع قاعدة المشاركة في هذه الشركات، واستقطاب الكفاءات، والهدف النهائي هو تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام.
ولا شك أن خلق روح التنافس بين الشركات أمر يفترض أن يكون صحًيا؛ إذا التزمت كل شركة بالمعايير الأساسية في جودة الخدمات المقدمة، وأن الحاج ورضاه هو الأساس، وما يجب أن تقوم به شركات تقديم الخدمة من حيث تقديم كل قطاع أعماله حسب التصنيف النوعي والكمي للخدمات الذي أطلقته الوزارة، وما يتناسب معه من الأسعار.
والتنافس يكون في تحقيق رغبات الحاج واحتياجاته الأساسية في النقل والمواصلات، والسكن والنظافة، والتغذية والمشاعر المقدسة، للوصول للرضا المطلوب، وكل ذلك بدون إحداث أي إساءة للمنافس أو التقليل من شأنه، أو الإيقاع به عند ذوي السلطة، أو تشويه سمعته مما يسئ له، وهو الذي اتخذ من الشرف والأمانة والمسؤولية شعاراً له منذ عقود.
وحقيقة؛ التنافس من الظواهر الاجتماعية السائدة في كافة المجتمعات البشرية، ومنها يتشكل نوع من التفاعل الإنساني لتحقيق أهداف محددة، وتوجيه نشاط الأفراد أو الجماعات أو المنظمات، وهذا موجود حتى في شريعتنا الإسلامية، حيث أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام سباق للخيل من الحيفاء إلى ثنية الوداع، وأن من سبق له نفع مادي، وكان الهدف أن السباق تدريب للاستعداد للجهاد في سبيل الله، وتحقيق منفعة للمسلمين.
وعلى العكس من ذلك، فإن التنافس على الدنيا لم يقره الرسول، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»، وفي هذا ذم يدل على الكراهية؛ لأن التنافس على الدنيا يورث الكثير من الحقد والحسد بين الأفراد والجماعات.
والتنافس على المال والأرباح قد يجعل بعض من أعداء النجاح يدبرون المكائد والدسائس، بل ويتصيدون الأخطاء في سبيل تدمير الناجحين أو التقليل من شأنهم. وعلى الرغم من اتفاق الكثيرون على أن التنافس صفة إيجابية تعمل على حشد الطاقات والإمكانيات، وتوجيهها الوجهة الصحيحة لتحقيق أهداف محددة إلا أن آخرين يرونها ظاهرة سلبية، لأنها تعمل على الشحناء بين الناس، فكل فرد أو جماعة تريد التفوق على الأخرى، وهنا يتحول التنافس إلى مظهر من مظاهر الصراع والأنانية، وتتعمق المشكلة أكبر حينما يكون التنافس غير شريف بين الجماعات والمنظمات، وتريد كل منظمة الاستئثار بمركز معين واستقطاب للعملاء، والحصول على نصيب الأسد، بصرف النظر كما تقدمه من مميزات، وتزداد المشكلة أحياناً حينما يتم التعامل مع المتنافسين بازدواجية المعايير، ولكن لماذا لا يتحول التنافس إلى تعاون؟، ويكون هناك دعم للمنظومة؟.
أتذكر في سنوات سابقة، حينما يحدث أن تتأخر وجبة مثلاً أو أي خدمة عن الحجاج، تقوم جميع مراكز الخدمة وبتوجيه من رئيس المؤسسة بدعم ذلك المركز أو المكتب حتى ولو كان من غير أقاليم الحجاج الذين تخدمهم، لأنهم في النهاية ضيوف الرحمن. فحتى وإن أخذت بعض الشركات الناشئة من حصة أقاليم شركة أخرى استأثرت بها لعقود، فلا يعني ذلك أن تكون حكراً عليها ويُنظر للشركات الجديدة نظرة من أخذ رزقه؛ فالرزق من عند الله، وما يقفل الله من باب إلا ويفتح أبواباً أخرى.
فالرزق قضية إيمانية، تغيب للأسف عن كثير من الناس، وأن فلاناً قطع رزقي، في حين يقول الله في كتابه الكريم: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، بل وجاء في شرح حديث الرسول الكريم أن الله يكتب رزق الإنسان وأجله، وهو سعيد أو شقي وهو نطفة في بطن أمه.. وما يحدث في الدنيا بين البشر لهو من تدابير الله سبحانه وتعالى لتوجيه الرزق حيث يريده، حيث قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا).
وهذا ما نريده ممن يعملون في شركات تقديم الخدمة، وهو أن نجعل قيم الإسلام وتعاليمه هي الأساس في التعامل مع العملاء والمستفيدين والشركاء، وكل من له صلة بالحج.. لنكون كما يظن بنا ضيوف الرحمن بأننا أحفاد الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا ما يليق بنا.